كنّ أربعاً. تفاصيل بسيطة زادت على ملامح وجوههن مع الوقت. لا بدّ من قول ذلك بعد 13 عاماً. حين التقينَ، لم يبالغن في العناق. مشتاقات هنّ إلى بعضهن البعض. في لقائهن، لم يهدفن إلى تعويض ما فات بل أكملن ما فاتهن منذ اللحظة التي افترقن فيها. لا حاجة إلى السؤال عن الأطفال أو الزواج أو المهنة. تولّى "فيسبوك" نقل سيرهن هذه إليهن وإلى آخرين. يضحكن وقد باتت اثنتان منهن أمهات. هناك من اكتسبت كيلوغرامات إضافية، وأخرى صارت تسير مع قدمين تتدلّيين عند خاصرتها.
ما زالت لا تأكل الجبنة. "أتذكرن؟ لم أجلب يوماً شطيرة الجبنة". كأنّها في حياة بلغت فيها الثلاثين من العمر، تعود إلى مدرستها. شعرها على حاله. تبعها ولم يتبع الموضة. خصلات كستنائية طويلة كانت تسمح لها بالاقتراب من عينيها، فيما تبعدها اليوم بسبب "الركض". صارت تركض مثل أمٍّ وتطهو من أجل الأطفال. حتى في الثلاثين، تأكل ببطء وقد استرجعت وزنها يوم كانت في المدرسة من دون عناء، حتى بعد إنجاب طفلتين.
"أتذكرن يوم سمعتني أمي أتحدّث إليه عبر الهاتف؟". تضحك لكثرة ما بكت يومها، وإن كانت تفهم نفسها حينها. "كنتُ أخاف كثيراً". ذلك اليوم استحضرت قيامةً كان يمكن أن تبدأ من بيتها. تردّ إحداهن: "أذكر أن أمك كانت متفهّمة حينها". لا تناقش إذا ما كانت أمها حلى حق. هذه التفاصيل ليست مهمة اليوم لأنها تركض وراء طفلتين وعمل وأعباء منزلية.
"وأنتِ، ما زلت تسعين إلى إنقاص وزنك. جسدك جميل. هي أمّك، أذكر أنها كانت تلاحقك لإنقاص وزنك، وقد كنت نحيفة أصلاً". سريعاً مرّ الوقت. كأنّهن في إحدى استراحتي المدرسة يتحدثن عن تفاصيل في الصف أو عن شباب أعجبن بهم، وعن أمهات لم يفهمهن.
لم تعاتب أي منهن الماضي. كل شيء مرّ بسلاسة سابقاً والحياة تستمر بهن. ربّما لم يقلن كل ما في داخلهن. هل يشتقن العودة إلى المدرسة مجدداً ليكن ما أردنه؟ يصبغن خصلات من شعرهن أو يخترن أصدقاء آخرين أو يغنين بين الحصة والأخرى؟ ماذا تفكر العزباء عن المتزوجة؟ وماذا تفكر المتزوجة عن صديقة لم تتزوج؟ أين هي الأحلام؟ هل تكون في العشرينيات أو الثلاثينيات؟ أي أحلامٍ يحققن؟ وإلى متى يجب أن ينتظرن؟
كأّنه الأمس. وغداً يقلن مجدداً، كأنه الأمس. لا يكبرن. الأيام وحدها تزداد وتهبط عليهن. وإن صرنَ يدخلن المطبخ، فلا يعني أنهن كبرن. يحفظن مفردات جديدة من الكتب والحياة... "وماذا عن الرجل الذي أحببته طويلاً؟". كان هذا قبل ست سنوات. التفاصيل كلها تحوم حولها وحولهن. تذكر كل ما حدث في ذلك اليوم الذي انفصلا فيه. الأجمل من تلك الذكريات، أنهن التقين جميعاً عند صديقتهن الطبيبة، وأضفن إلى التلميذات فيهن نساء وأمهات وعاملات وعاشقات.. وتلميذات أخريات.