كأنها هنا

09 سبتمبر 2016
ربّما تكون قصّتهما مستحيلة (ليو راميريز/ فرانس برس)
+ الخط -

وإن كانَت بعيدة، ما زال يحفظ تفاصيل كثيرة عنها. لن يستاء إذا قلتُ إنه يحفظها كلّها، بل وأكثر منها. ليست قدراً. وبواقعيّته، يدرك أنهما لن يجتمعا يوماً. يحبّها. ليس شاعريّاً. كان صادقاً مع نفسه، وأعلن أن ما من امرأة يمكن أن تأخذ مكانها. ربّما يقابل كثيرات في النهارات والليالي، لكنها تبقى هي. جميلة كما كانت. تحبّ قصيدة فيقرأها. لا تدري أنه يقرأها. ولا يدري أنها تعرف. هذه علاقة حقيقية. حب وإن كان مستحيلاً بتلك التفاصيل التي اعتدناها.

كلّ الصور لا تمحو صورتها الثابتة في ذاكرته. هي حاضرة. ترافقه إلى حفلةٍ ويرقصان. مثل روايات تعيش إلى الأبد. وكلّما اشتاق إليها قرأها. ثمّ ينهي الكتاب، ويدرك أن حبّهما مستحيل. والأمر أكبر من غنيّ أحبّ فلاحة. إنه الحظّ.. القدر.

يسمع قيس ينادي: "ليلى... ليلى بجانبي كلُّ شيءٍ إذن حضر". تردّ: "جَمَعتنا فأحسنت ساعةٌ تفضُلُ العمر". يسألها: "أتجدّين"؟ فتجيب: "ما فؤادي حديد ولا حجر. لك قلبٌ فسَلهُ يا قيس ينبئك بالخَبر. قد تحمَلتُ في الهوى فوق ما يحملُ البشر".

يسألهما ويجيبانه. ليسَ وحيداً في هذا المستحيل. يحزن إن سمع صوتاً في داخله يقول إنه لم يرَ وجهاً أجمل من وجهها بين النساء. هذا هراء. لكنّها حقيقته. ذلك السرّ الجميل يخصّه وحده. هي جميلته. وهذا ما سيقوله لكلّ نساء الأرض.

حبّه مستحيل. أحياناً، يخالُ نفسه بالأبيض والأسود ينتظر نهاية سعيدة غير واقعية. ليتَ الحياة تتوقّف عندما يقبّلها. ها هو يصير شاعراً.

قصص الحبّ صعبة. المشاعر قادرة على تخريب كلّ شيء، بقدر ما هي قادرة على نقل أصحابها إلى عوالم من خيال. أطفال ومراهقون وراشدون ومسنّون يبحثون عن الحبّ. يخشون أن يفوتهم. قد يحدث هذا، من يدري؟ يبحثون عن عيون يعلقون بها إلى الأبد. ولا يروى عطشهم إذا ما وجدوا هذا العشق. قد يكون الحب مستحيلاً.

ربما لكلّ منا قصّة حب مستحيلة. تؤلمنا وتؤلمنا قبل أن نعتاد هذا الألم. نبحث عن حبٍّ آخر، وربّما نضيع بين حبّين. في الغالب، لن نشفى من حب مستحيل. هكذا هي الحياة. تنظر من بعيد إلى أجسادنا تهوى. العيون ثابتة تعرف وجهتها. والقلب يسائل القدر. وبعدُ، لا شيء.

سابقاً، كانت العادات والتقاليد والطبقات الاجتماعية أسباباً لقصص مستحيلة كثيرة. وإن تجاوزنا عقبات عدّة اليوم، تبقى بعض القصص مستحيلة. ويظلّ هؤلاء ينظرون إلى عاشقين ويغارون.

الأغنيات العربية القديمة فيها الكثير عن الحسد و"العزّال". لكنّ هذا ليس حسداً بل رغبةً في حب، كرغبته بالإمساك بخصلات شعرها. ربّما تحمّلنا جميعنا في الهوى فوقَ ما يحمِلُ البشر.

دلالات
المساهمون