قُل للمليحة في "الفيراري" الأحمر

03 ديسمبر 2014
خالد تكريتي/ سوريا
+ الخط -

الشريط البصري المنثور في شبكة "اليوتيوب" ليس فيلم كاميرا خفية، مع أنه ينتمي لها بنسب وأضواء. فالكاميرا خفية في "فيلم الفيراري"، محتجبة، والأمر ليس مقلباً للضحك، إنه تشخيص لمظهر ومبطن من مظاهر ومباطن الحياة الأميركية.

الفكرة: يتقدم شاب معاكساً صبية حسناء أميركية معها صديقها، الولد الصديق، "بوي فريند"، قياساً على ولد البقرة؛ "كاو بوي". لكن لا أعرف سبب تقديم الولد في صحبة البنت وتأخيره في صحبة البقر. لعل البقرة أغلى، أو "ليديز فرست".

يدعو الشاب الصبية لصحبة، فتطرده، أو تهرب منه، أو تشتمه الشتيمة البذيئة الجنسية، الخاصة بالذكور، فبنات أميركا مسترجلات. لكن لا يلبث الشاب أن يغويها، فيدعوها إلى سيارته: الفيراري. تشهق الصبية الأولى: حقاً هي سيارتك!

الفيراري مهر، وعربون صداقة لا ترد! تركب تاركة صديقها (نلفت عنايتكم أنه كان معها صديق) على قارعة الطريق وعتبة الحب المخذول. الصبية الثانية تغيّر رأيها فجأة، وتركب، الثالثة تتراجع عن رفضه، إنها "تفاحة الحب" المعدنية. اثنتان تتركان صديقيهما! لو كان الأمر فيه حاجة، أو ضرورة، كما هو الحال في مصر عندما تضطر الحبيبة الحسناء إلى التخلي عن الشاب فقير الجيب، غني القلب، رغبة في الراحة والسرعة، فتركب مع صاحب السيارة غني الجيب، فارغ الرأس، لبلوغ البيت بعد يوم ثقيل ضروس تحمر منه الأحداق. الأمر أبعد، فالمواصلات جيدة في أميركا، وهي ليست مضطرة، فقط هي الفيراري، التي شعارها الحصان الجامح.

هناك قصة شهيرة لعبد السلام العجيلي اسمها "الخيل والنساء"، وهو عنوان مجموعته الأولى وهي أفضل مجموعاته. إنّ مجموعة قصصه، يا سادة يا كرام، واقعية سحرية، سبق بها ماركيز، لكن منظور القصة مختلف، فالقصة تعادل بشجن ولوعة، بين مكانة الخيل، ومرتبة النساء في قلوب العرب.

فيراري شركة سيارات رياضية إيطالية مقرها مارانيلو، أنشأها إنزو فيراري عام 1929 باسم "سكوديريا فيراري". كان فيراري يحب السيارات والسباقات في طفولته، مثل عنترة بن شداد الذي كان يحب ركوب الخيل. وفي يوم من الأيام، اصطحب أبوه أخاه الأكبر ألفريدو إلى أحد سباقات السيارات في مدينة بولونيا، وأراد إنزو البالغ من العمر 10 سنوات الذهاب معهم، لكن أباه قال له: "أنت صغير، ويجب أن تبقى في البيت". حَزِن كثيراً لعدم الذهاب معهم، لكن فضوله وحبه للسيارات دفعاه إلى اللحاق بأبيه لمشاهدة السباق، ومنذ ذلك اليوم زاد ولع إنزو بالسيارات وتحديداً بالسباقات، وعزم على أن يصبح سائق سيارات كبير في يوم من الأيام. انتهت الملحمة الدرامية من سفر الويكيبيديا تقريباً، من غير أن يقول له والده: كرّ وأنت حر.

في عام 1929 أقام إسطبلاً لصناعة وتصليح سيارات "ألفا روميو" الخاصة بالسباقات أسماه "سكوديريا فيراري" ثم أصبح مديراً لسباقات شركة "ألفا روميو"، ثم أنشأ سياراته الخاصة تحت اسم "فيراري". وتم ذلك في عام 1947، أي قبل احتلال القدس بسنة، حيث صنع سيارة سباق أسماها 125 إس، سُجّلت على أنها أول سيارة رياضية قانونية تصلح للشارع في العالم، ومن هنا انطلقت أسطورة الحصان الجامح، الذي يعد أشهر شعارات السيارات.

لم يكن فيراري يعلم أنّ اختراعه سيغوي الأميركيات!

حكاية فيراري خالية من الدراما والنساء وإن كان فيها حصان جامح شعاراً، ليست أدهم عنترة، أو الغبراء، أو الصفا فرس مجاشع بن السلمي، أو أطلال فرس بكير بن شداد، أو الحرون للباهلي، أو البلعاء للأسود بن رفاعة الشيباني، أو أعوج الأكبر، أو الخطار فرس لبيد بن ربيعة العامري، أو فرس الشيماء، أو الحموم فرس الحكم بن عرعرة النمري. السرعة.. السرعة فقط لا غير. لهذا ربما مدح ميلان كونديرا "البطء" في روايته هجاءً للسرعة.

مرة، في أحد معارضه، في الثمانينيات، أظهر علي فرزات رسالة من شاب أميركي أرسلها إعجابا بلوحة كاريكاتير. موضوع اللوحة؛ هو قلب تخترقه سيارة على شكل سهم. عرض الرسالة يكشف رسالتين: الأولى هو افتخار علي بعالميته التي تؤكدها الرسالة! الثانية، والله أعلم، هي غرام الأميركي بالسيارة، وهي من نوع الفيراري! كان عبد الوهاب المسيري يسخر من الأميركي الذي يشتري سيارة وزنها طنين لنقل طفل بوزن 25 كيلو غرام إلى المدرسة!

الشاب الشجاع بعد أن يغوي الحسناء بركوب السيارة، يعتذر منها، من غير مطرود، من دون أن يشير إلى الكاميرا الخفية، فتغادر، وهي تشتم وتسب مسبات فاحشة من تلك التي تبث يومياً على برامج عكاشة وعمرو أديب.

في الطب، هناك اختبار اسمه كشف الحمل، الفيراري هي اختبار كشف الحب على المذهب الأميركي، قصة إنزو فيراري خالية من الحب، كان العاشق يحب سيدة اسمها السرعة.

شعارنا: لا تسرع يا بابا نحن بانتظارك.

شعارهم: أسرع يا بابا قبل أن تُخطف ماما في الفيراري.

المساهمون