مضى 15 يوماً على بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي أسفر، حتى الآن، عن سقوط أكثر من 561 شهيداً فلسطينياً، فضلاً عن آلاف الجرحى، لكن هذا لم يدفع القوى المدنية المصرية للقيام بأي نشاط تضامني جاد تجاه القطاع، ولم يحثها حتى على تسيير قافلة إغاثة واحدة لغزة المنكوبة.
واكتفى بعض هؤلاء بالشجب والتنديد، فيما ذهب آخرون لانتقاد حركات المقاومة، ولا سيما "حماس"، متهمين إياها بـ"التدخل في الشأن المصري"، ووصل الأمر بالبعض الآخر للمطالبة بطرد الفلسطينيين من مصر.
وقرر المرشح الرئاسي الخاسر، حمدين صباحي، الخروج عن صمته، يوم الاثنين، وأصدر بياناً دان فيه التصعيد الصهيوني الخطير الذي جرى ببدء عملية الاجتياح البري، مشيراً إلى أن ما يجري من عدوان على غزة، هو عدوان على كل فلسطين ومصر والأمة العربية كلها.
لكن مؤسس "التيار الشعبي" تجاهل، في بيانه، مئات الشهداء، وآلاف المصابين، الذين سقطوا منذ بدء القصف الإسرائيلي الجوي، الذي استهدف القطاع، منذ نحو أسبوعين، قبل إعلان إسرائيل بدء الحرب البرية.
ربما لم يعلم مؤسس حزب "الكرامة"، الذي أعلن رفضه محاولات تشويه الوعي الشعبي تجاه القضية الفلسطينية، وأكد دعمه لفصائل المقاومة كافة، أن أمين عام حزبه، محمد بسيوني، انتقد، في مؤتمر صحافي عقدته "اللجنة الشعبية لدعم فلسطين"، الأسبوع الماضي، ما وصفه بـ"تدخلات حركة المقاومة الإسلامية حماس، في الشأن المصري".
تجاهل صباحي أيضاً، منع قوات الجيش المصرية قافلة أعدها نشطاء مصريون كانت في طريقها إلى القطاع، السبت الماضي، عندما طالب من سماها بـ"القوى الوطنية والشعبية المصرية، باستمرار جهودها، ومحاولة التوافق على إعلان سياسي وطني مصري، يجدد الموقف الأصيل لمصر وشعبها من فلسطين"؟ كما لم يعلن عن تسيير قافلة إغاثية للقطاع، أو تظاهرة تضامن مع المنكوبين بالقاهرة.
ولم يتطرق صباحي، الذي يصفه مراقبون بـ"المعارض من داخل النظام"، للشروط التي وضعتها المقاومة قبل الموافقة على المبادرة المصرية، والتي يأتي في مقدمتها مطلب إنهاء الحصار وفتح المعابر، بل اكتفى بمطالبة النظام المصري بموقف أكثر قوة وصلابة وانحيازاً للشعب الفلسطيني، على حد قوله.
وجاء بيان صباحي بعد ساعات من تصريحات الكاتبة لميس جابر، التي لم يقتصر موقفها على التخاذل إزاء المجازر التي يشهدها القطاع، بل وصل بها الأمر إلى التحريض على الفلسطينيين المقيمين بالقاهرة، والمطالبة بطردهم، ومصادرة أملاكهم ومتاجرهم، والقبض على كل متعاطف معهم، واتهامه بالخيانة العظمى، وإلغاء موضوع القضية الفلسطينية من المناهج والإعلام والصحف.
كما دعت جابر، في مشاركة على حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي، لإغلاق المعابر إلى أجل غير مسمى، وإلغاء كلمة حالات إنسانية وجرحى. وقالت حرفياً "يروحوا في داهية ونحتسبهم شهداء ... ولا الشهادة مكتوبة على شباب المصريين بس".
وذهبت جابر، التي أثارت تصريحاتها استياء واسعاً في أوساط النشطاء، للقول: "إحنا بناخد التموين المدعوم ونبعته لغزة وهما بيقتلوا أولادنا...".
من جهته، يقول خبير الشؤون الإقليمية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، سامح راشد، إن "موقف كافة القوى السياسية في مصر أقل كثيراً من مستوى الحدث، والأكثر ضعفاً على مستوى العالم".
وأضاف "لم يتجاوز رد فعل كافة الأحزاب اليسارية والليبرالية أكثر من تنظيم وقفة عند نقابة الصحافيين، وعقد مؤتمر صحافي، والمفارقة أن الأحزاب الكبرى لم تشارك، ولم يكن لها أي دور".
وتابع راشد، في حديث لـ"العربي الجديد"، الحزب الوحيد الذي اتخذ موقفاً، وأصدر بياناً قوياً، هو حزب "الكرامة"، الذي طالب باستدعاء السفير المصري من إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة.
وندد راشد باختفاء صباحي عن المشهد، إلى أن أصدر بياناً، خلا من كافة الإجراءات التي تضمنها برنامجه الانتخابي، والتي تنص على "رفع الحصار عن غزة، والسماح بالتجارة والتعامل من خلال المعابر، من دون الاحتياج للأنفاق وطرد السفير الإسرائيلي في حالة حدوث أي عدوان".
كما لفت راشد أيضاً إلى "ضعف رد الفعل الشعبي إزاء العدوان، بسبب تشويه الإعلام للقضية الفلسطينية، وانشغال الناس بهمومهم الداخلية، في ظل الأوضاع الاقتصادية الطاحنة، فضلاً عن تراجع القوى الثورية، التي كانت تحرج باقي الأحزاب بمواقفها فتضطرها للانضمام، وكانت أيضا بمثابة القاطرة التي تقود الناس".