حين نقول "أدب المهجر" في سياق الثقافة العربية، فإن المصطلح يحيل إلى فترة زمنية تبدأ في نهايات القرن التاسع عشر ولا تتجاوز منتصف القرن العشرين. المفارقة أنَّ حضور الكاتب العربي خارج بلاده، في قارتَي أوروبا وأميركا بالأساس، قد تضاعَف مرّات ومرّات بعد ذلك، ولم يعد الأمر مقتصراً على أبناء بلاد الشام. لكن، في الوقت نفسه، لم يعد ممكناً لنا الحديث عن "أدب مهجر"، بل إننا لا نجد مصطلحات تعبّر عن هذا الحضور، ولا جهوداً في رؤية مختلف التجارب الكتابية العربية خارج العالم العربي ضمن إطار واحد.
أكثر من ذلك لن نجد اشتغالاً من الكتّاب أنفسهم على التجمّع أو حتى الالتقاء ضمن هموم مشتركة، وهذا في حدّ ذاته عامل فارق بين حاضر الكتابة العربية في المهجر وأمسها؛ فقد التقط جبران خليل جبران وميخائيل نعيّمة ونسيب عريضة وعبد المسيح حداد، من بين ما التقطوه من عوالم الثقافة الغربية، ذلك المنطق المؤسّساتي الذي ينظّم الكثير من ظواهرها، وكان ذلك عاملاً مساعداً في جعل تجربتهم مرئية داخل بيئتهم الجديدة أو في ثقافتهم الأم.
لكن المسألة لا تنحصر في إنشاء إطار ناظم، فقد أتى "أدباء المهجر" من بلاد تغلي بأفكار عصر النهضة، أفلا نسمع شيئاً من الأريحية والزهو في كلماتهم، وهو ما نفتقده في من أتوا بعدهم. كما أنهم غادروا بلادهم ولا تزال القصيدة العربية الجديدة - والنصّ الأدبي بشكل عام - أشبه بورشة مفتوحة، فالتقط هؤلاء، كل من موقعه، ما وجده نافعاً في الغرب بكثير من الأريحية التي يفتقدها كاتب اليوم. هكذا انسحب كثيرون إلى حالة من التشظّي يصعب لمّ شتاتها، واستسلموا لها كأمر واقع.
ما يُقال عن أهل الأدب في المهجر، بعد ذلك القوس الذي فتحه (وأغلقه أيضاً) جيل جبران ونعيمة، ينسحب على كتلة ثقافية مهاجرة أخرى بدأت تظهر ملامحها في سبعينيات القرن الماضي، وهم طيف الباحثين في العلوم الإنسانية، فلو نظرنا في أسماء مثّلت قامات في مجالاتها المعرفية في الغرب نفسه مثل: أنور عبد الملك (علم الاجتماع)، ومصطفى صفوان (التحليل النفسي)، وإدوارد سعيد (الأدب المقارن والدراسات الثقافية)، وإيهاب حسن (النظرية الأدبية)، سنجد أنهم كانوا هم أيضاً ضمن حالة التشظّي تلك، فلم تلتق مشاريعهم، ولا نكاد نجد لهم ورثة من الباحثين العرب. حتى إذا وصلنا إلى شبكة الباحثين العرب اليوم في الجامعات الأميركية والأوروبية، سيكون الحديث عن مشاريع عربية ناظمة، حديثاً فاقد للمعنى تماماً.