تتجه ألمانيا إلى مزيد من التشدّد في قوانين الأمن، لمواجهة الأخطار الأمنية المحتملة، كردّ على الاعتداءات التي تعرّضت لها البلاد أخيراً، حسبما أعلن وزير الداخلية توماس دي ميزيير، في مؤتمر صحافي عقده الخميس في برلين، طارحاً مجموعة من المقترحات القانونية والعملية تحت عنوان "حزمة الأمان"، ستتم مناقشتها خلال مؤتمر وزراء داخلية الولايات الألمانية الأسبوع الحالي.
في هذا السياق، فإن أهم ما ستتضمنه الحزمة، بحسب دي ميزيير، هو حظر ارتداء البرقع، وحظر تمويل المساجد من قبل التنظيمات المتطرفة، وطرد دعاة الكراهية من غير الألمان، وكذلك سحب الجنسية من الألمان الذين يقاتلون ضمن المنظمات الإرهابية ويحملون على الأقل جنسية أخرى.
كما ستتضمن الحزمة اقتراحاً يقضي بفرض عقوبة جنائية بحق كل من يبدي تعاطفاً مع الأعمال الإرهابية، وتسريع ترحيل اللاجئين الذين صرحوا وأفادوا ببيانات خاطئة عن هويتهم، وكذلك السماح للأطباء بالبوح بمعلومات عن مرضاهم المضطربين نفسياً، في حال وُجد لديهم احتمال للجوء إلى العنف، فضلاً عن زيادة عديد الشرطة لـ15 ألف عنصر حتى عام 2020، وتعزيز حضورهم ومهامهم في عمليات حفظ الأمن والنظام، فضلاً عن تزويدهم بالعتاد اللازم ومنها البنادق الطويلة وكاميرات الجسم.
ويؤكد مراقبون أنه "بعد حادثة فورتسبورغ (18 يوليو/تموز الماضي)، بات تجهيز مركز الدفاع لمكافحة الجريمة عبر الإنترنت، أمراً ملحّاً في ألمانيا، وكذلك تشديد المراقبة على الاتجار غير المشروع بالأسلحة، وأن تكون أجهزة الاستخبارات قادرة على استخدام البيانات الخاصة".
في المقابل، يبدو أن الحزمة المقترحة ستقوّض النقاشات المرتقبة، خصوصاً أنه بعد التظاهرة الحاشدة لأنصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نهاية الشهر الماضي في مدينة كولن، طالب عدد من وزراء داخلية بعض الولايات، باعتماد قانون يقضي بترحيل كل من يريد التورط مع سياسات الحكومات الأجنبية. وهذا ما دفع عدد من المسؤولين لمجابهتها بالكثير من الانتقادات، لتزداد الشكوك حول ما إذا كانت حزمة الأمان المقترحة يمكن أن تفي بالغرض.
في هذا الإطار، جاء تعليق نائب المستشارة أنجيلا ميركل، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي سيغمار غابريال، لاذعاً، بإشارته إلى أن "هكذا تدبير سيكون خاطئاً تماماً"، موضحاً بأنه "لا يمكن أن نضع مثلاً الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، في دائرة الاشتباه العام، وليس من واجبنا أن نلعب سياسة الرئيس التركي، بأن من ليس معي فهو ضدي". كذلك يصف نائب رئيس الحزب الديمقراطي الحر فولفغانغ كوبيكي، في حديث لوكالة الأنباء الألمانية، القوانين المقترحة بـ"الشعبوية وغير الصالحة للتطبيق".
من جهته، يرى نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، رالف شتيغنر، أن "مطالب وزراء داخلية الولايات، وأكثريتهم من الحزب المسيحي الديمقراطي، بزعامة ميركل، تشكل تنافساً حقيقياً مع اليمينيين الشعبويين". ويلفت إلى أن "حظر ارتداء البرقع لا يتوافق مع الدستور"، وهو ما يرفضه أيضاً وزير الداخلية نفسه بقوله "لا أحد يستطيع منع كل شيء يرفضه".
في هذا السياق، يشير خبراء ومستشارون أمنيون إلى أن حظر البرقع وإلغاء الجنسية المزدوجة عن الذين يحاربون في الخارج لحساب مليشيات إرهابية، ويحملون جنسيات أخرى على سبيل المثال، لا يمكن أن تساهم في رفع الجهوزية المسبقة وتحسن الوضع الأمني. ويعتقدون بأن المطلوب هو زيادة المخبرين المدنيين، والخبراء الأمنيين والتقنيين، لملاحقة الشبكات المظلمة (دارك نت) على الإنترنت. فضلاً عن رصد تحركاتهم ومخططاتهم واعتماد تقنية تحقيق جديدة، مشددين على أنه يتعيّن على ألمانيا أن تقرر ما إذا كانت تريد أن يكون لها مزيداً من الأمن والخصوصية، وعلى السياسيين التمعّن في المفهوم الأساسي للأمن الداخلي.
في موازاة ذلك، تعتزم وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين، التحضير لبدء التعاون مع وزارة الداخلية وعدد من الوزارات المعنية، لاعتماد خطط مشتركة للقيام بتدريبات بين عناصر الجيش والشرطة، بهدف التنسيق في عمليات مكافحة الارهاب والتعامل مع الاعتداءات الأمنية، على أن تبدأ عمليات التدريب المشتركة خلال العام الحالي.
في غضون ذلك، يدور نقاش قانوني داخل الائتلاف الحاكم حول هذا الموضوع وإمكانية الاستعانة بالجيش في مهام، عادة ما تكون من صلاحيات الشرطة، لأن الدستور سمح بهذا النوع من المهمات في الحالات الاستثنائية فقط. وتتفاوت وجهات النظر حالياً حول ما إذا ما كان يمكن اعتبار أعمال العنف التي شهدتها ميونخ وانسباخ وفوتسبورغ، تنطبق على هذا الواقع.
مع العلم أن المحكمة الدستورية أقرت في عام 2012، إمكانية الاستعانة بالجيش في الداخل، عند حدوث أعمال إرهابية كبيرة. وهو ما تطالب به فون دير لاين، التي تؤكد أنه "من المهم الاعتماد على المواد المنصوص عليها دستورياً، وبشكل عملي تماماً، وأنه ليس هناك من حاجة لتعديل الدستور لاشراك الجيش في العمليات الداخلية". وترى بأن "أمر القيادة يبقى للشرطة في أي عملية أمنية كبيرة داخل البلاد يشارك فيها الجيش، أي أنه يبقى للشرطة الحقّ في أن تقرّر كيف ومتى وبأي شكل الاستعانة بالجيش، وكذلك تحديد المدة الزمنية وضمن أي نطاق".
يُشار إلى أن السلطات الألمانية ألقت القبض الأسبوع الماضي على شخصين في ولايتي راينلاند بفالز وشمال الراين فستفاليا، يشتبه بأنهما عضوان بارزان مرتبطان بمتشددين. وذكرت معلومات صحافية أن التحقيقات الأولية أشارت إلى أن مخططهم يقوم على استهداف الدوري الألماني لكرة القدم، المقرر انطلاقه نهاية الشهر الحالي، وأنه بناء لطلب من النائب العام نُفّذت مداهمات أخرى، ومنها في مدن دوسلدورف ودويسبورغ ودورتموند. وتم تفتيش عدد من منازل المشتبه بهم، ومنهم دعاة، تُرجّح المعلومات أنهم قاموا بتجنيد شبان لصالح تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وتقديم الدعم المالي واللوجستي، حسبما ذكرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ".