قوات النظام السوري على الحدود التركية: تبدّل في خريطة السيطرة

29 أكتوبر 2019
قوات النظام بدأت الانتشار في ناحية تل تمر(فرانس برس)
+ الخط -

تبدلت خريطة السيطرة الميدانية في منطقة شرق نهر الفرات السورية دراماتيكياً خلال أقل من شهر، بعد سنوات من استقرار كانت فيه "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) القوة المهيمنة على المنطقة، لكنها اليوم تنسحب إلى عمق 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، لتحلّ محلها قوات النظام وقوات روسية. ولن يتوقف انسحاب "قسد" على شرق الفرات فقط، بل من غربه أيضاً، حيث لا تزال تسيطر على مدينتي تل رفعت وقرى في محيطها ومدينة منبج وبعض ريفها، اللتين ستقرر أنقرة وموسكو مصيرهما، في ظل سعي من النظام والمعارضة المسلحة للظفر بهما.

في هذا الوقت، دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن الاتفاق الذي أبرمه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان. وذكر الكرملين، في بيان، أن بوتين أبلغ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في اتصال هاتفي أمس الاثنين، "بنتائج المحادثات التي عقدت مع أردوغان في 22 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في سوتشي، مع التأكيد أن الاتفاقات التي جرى التوصل إليها تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف وتسهم في استعادة سيادة سورية وسلامة أراضيها". وأضاف الكرملين: "وفقاً للتقييم المتبادل، إن تنفيذ أحكام المذكرة التي اعتمدتها روسيا وتركيا سيفضي إلى استقرار الوضع في شمال شرقي سورية، وإلى دفع العملية السياسية، بما يرفد عمل اللجنة الدستورية، المقرر عقدها في 30 أكتوبر في جنيف". وهدد وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو مجدداً، أمس، بمهاجمة أي مقاتل كردي يبقى على طول المنطقة الحدودية في شمال شرقي سورية بعد انتهاء المهلة المحددة لهم لمغادرة المنطقة اليوم الثلاثاء، مشيراً إلى أن وفداً عسكرياً روسياً سيزور أنقرة لبحث الدوريات المشتركة التي من المقرر أن تبدأ اليوم الثلاثاء.

وأشارت وكالة "سانا"، التابعة للنظام، إلى أن وحدات من قوات الأخير تواصل انتشارها على الحدود السورية التركية في ريف الحسكة الشمالي من ريف رأس العين الشرقي غرباً، وصولاً إلى القامشلي شرقاً، مؤكدة أن هذه الوحدات تثبت نقاطها على محور يمتد بنحو 90 كيلومتراً. وذكرت أن وحدات من قوات النظام بدأت عملية الانتشار في ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي الغربي، ودخلت قرى وبلدات دودان، وقصر شرك، وحاصدة فوقاني، وعامودة، والجوهرية، وتل حمدون، وخرزة فوقاني، والدار، وأبو جرادة، والقرمانية، وكربشك، والسلام عليك، وربة حاج إبراهيم، والعرادة، ولبوة، وفقيرة، والإبراهيمية، ومشيرفة، والأسعدية، وباب الفرج، والشكرية.

من جانبه، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام استكملت انتشارها على طول الشريط الحدودي الواصل بين عامودا والدرباسية، بالإضافة إلى ظهر العرب وكسر شرق مدينة رأس العين، حيث انتشرت في مخافر حدودية، وذلك وفقاً للاتفاق الروسي – التركي واتفاق قوات النظام مع "قوات سورية الديمقراطية". من جهتها، ذكرت صحيفة "الوطن"، التابعة للنظام، أن طلائع وحدات من قوات الأخير وصلت إلى مدينة الدرباسية الملاصقة للحدود السورية التركية، في وقت وصلت فيه وحدات أخرى إلى الحدود السورية التركية في ريف رأس العين. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن دورية عسكرية روسية سارت أمس الاثنين في مدن القامشلي وعامودا والدرباسية في ريف الحسكة الشمالي، تزامناً مع انتشار قوات النظام في العديد من المخافر الحدودية المقابلة لمدينة نصيبين التركية. وأشارت المصادر إلى أن الدورية الروسية هي الرابعة منذ البدء بتطبيق الاتفاق الروسي التركي حول مناطق سيطرة "قسد". وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن القوات الروسية أنشأت مقرات دائمة لها في مدينة القامشلي، أبرزها المطار والمستشفى الوطني ومطعم النادي الزراعي.



على الصعيد ذاته، تستكمل الشرطة العسكرية الروسية تسهيل انسحاب "وحدات حماية الشعب" الكردية إلى عمق 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود السورية التركية حتى مساء اليوم الثلاثاء، وفق الاتفاق بين أنقرة وموسكو حول شرق الفرات والمناطق في غربه، الذي نصّ على أن الشرطة العسكرية الروسية ستُخرج من المنطقة عناصر "قسد"، التي تشكل "الوحدات" الكردية ثقلها الرئيسي، بالإضافة إلى أسلحتهم. وأعلن رئيس "المركز الروسي للمصالحة" الجنرال سيرغي رومانينكو أن مهلة سحب الشرطة العسكرية الروسية "وحدات حماية الشعب" الكردية وأسلحتها لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، تنتهي مساء اليوم، على أن يجري بعد ذلك تسيير دوريات روسية تركية مشتركة على مسافة 10 كيلومترات غرب منطقة العملية العسكرية التركية وشرقها. ونقلت وسائل إعلام روسية عن رومانينكو قوله: "ينبغي التشجيع على سحب وحدات حماية الشعب الكردية وأسلحتها لمسافة 30 كيلومتراً من الحدود السورية التركية بحلول مساء الغد (اليوم). وبعد ذلك، سيبدأ تسيير دوريات روسية تركية مشتركة بعمق 10 كيلومترات عن الحدود إلى الغرب والشرق من منطقة العملية التركية، باستثناء مدينة القامشلي". وأضاف: "جميع وحدات حماية الشعب الكردية وأسلحتها يجب أن تنسحب من مدينتي منبج وتل رفعت" أيضاً.

ولم يحسم الجانبان التركي والروسي مصير هاتين المدينتين في ظل إصرار كل من النظام والمعارضة على الظفر بهما. وتقع مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، وهي تحت سيطرة "الوحدات" الكردية منذ أوائل عام 2016، حيث انتزعتها من فصائل المعارضة السورية. وانتقل إلى تل رفعت عدد كبير من سكان منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي مطلع العام الماضي مع تقدم الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية، في إطار عملية "غصن الزيتون". وتقع منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، وهي واحدة من المدن السورية الهامة، لكونها تربط بين شرق نهر الفرات وغربه. وكانت "الوحدات" سيطرت عليها منتصف 2016، وهي تفرض سيطرتها عليها من خلال "مجلس منبج العسكري" المرتبط بها. وانسحبت أخيراً قوات أميركية كانت مرابطة في منبج، ما فتح الباب أمام سباق بين النظام والمعارضة للسيطرة على المدينة التي لا تزال تنتظر تفاهماً بين موسكو وأنقرة. وذكرت "سانا" أمس الاثنين إن قوات النظام مُصرة على "رفع العلم الوطني على كامل التراب السوري"، في إشارة إلى نيتها دخول منبج.

إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الاثنين، أن جندياً تركياً توفي في المستشفى بعد هجوم لـ"الوحدات" الكردية في منطقة رأس العين، ليرتفع عدد قتلى الهجوم إلى اثنين. وكانت قد ذكرت، أول من أمس الأحد، أن هجوماً بالصواريخ وقذائف الهاون أدى إلى مقتل جندي وإصابة خمسة آخرين. في هذا الوقت، تشير عدة مصادر إلى أن الجانب الأميركي قد يعيد النظر مرة أخرى في مسألة انسحابه من القسمين الغربي والشمالي من شرق نهر الفرات. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، أن القوات الأميركية تعود إلى قواعد كانت قد انسحبت منها خلال الأيام الماضية. وأشار إلى أن أكثر من 500 جندي أميركي، ومعدات عسكرية ولوجستية، وصلوا إلى قاعدة "قسركي" الواقعة على الطريق الدولي الذي يربط حلب بالحسكة، والمعروف باسم "إم 4"، بين تل تمر وتل بيدر، مشيراً إلى أن مطار صرين في ريف حلب الشمالي الشرقي يشهد منذ أيام حركة هبوط طائرات أميركية وإفراغ لطائرات شحن.

بموازاة كل ذلك، لا تزال الانفجارات تتوالى في ريف الرقة الشمالي منذ طرد الجيش التركي و"الجيش الوطني السوري" "قوات سورية الديمقراطية" منه، منتصف الشهر الحالي. وقالت مصادر محلية، أمس الاثنين، إن مدنياً قتل وجرح ثمانية بانفجار دراجة في الشارع العام في بلدة سلوك في ريف الرقة الشمالي. وتتجه أصابع الاتهام إلى "قسد" في أحداث الاضطرابات في المنطقة التي خرجت عن سيطرتها في شرق الفرات، إذ لا تملك أي قوة أخرى القدرة على تفجير مفخخات في المنطقة التي باتت تحت سيطرة "الجيش الوطني السوري" الذي فجر الأحد الماضي سيارة مفخخة قبل دخولها بلدة علي باجلية في ريف الرقة الشمالي.