قوائم الإرهاب: اسمي مكتوب؟

25 نوفمبر 2014

كلما صدرت قائمة "إرهاب" عربية جديدة، رجف قلبي (Getty)

+ الخط -

قاتل الله ديك الحبش الأميركي الذي فتح عيون "الدجاج العربي" على قوائم "الإرهاب"، منذ أحداث سبتمبر/أيلول 2001، فمنذ صاح ذلك الديك بقائمته "الإرهابية" الأولى، أصبح "الدجاج العربي" بيّاضاً، على غير عادته، وصار في وسعه أن ينتج، بين موسم لقاح وآخر، مع الديوك الأميركية والإسرائيلية وغيرها، عشرات (القوائم الإرهابية)، التي لم يحلم بها أولئك الديوك أنفسهم، بل وصار في وسع الدجاج حتى أن يبيض "قوائمه" بنفسه، من دون تلقيح أو صياح.
والحال أنه كلما صدرت قائمة "إرهاب" عربية جديدة، رجف قلبي واقشعرَّ جسدي، وتساءلت مع عادل إمام: "اسمي مكتوب؟"، ثم سرعان ما أتنفس الصعداء، حين أجد أن دوري لم يحن بعد. والأنكى أن هواجس تستبدّ بي، قبل استعراض الطبعة الأخيرة من "قائمة الموت" الجديدة، فأعاود تشغيل شريط حياتي، لأتأكد من أنني لم أقترف "حماقة إرهابية"، تستدعي الزجّ بي في القائمة المحدّثة، وما أكثر "الحماقات" التي يمكن أن تصنف تحت بند "الإرهاب" في هذه الأيام، من أفعال وأقوال وآراء، أو حتى "نيات غير معلنة" ربما. وهنا، تحديداً تضطرم هواجسي، لكوني ما زلت أصنف ضمن تلك الفئة المسكونة بالحرية، وتحطيم الأصنام، ومقاومة الاستبداد، وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر.
وأكثر من ذلك، أنا، أيضاً، من الفئة التي لا تؤمن بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا تعترف بالمعاهدات العربية الإسرائيلية، ما ظهر منها وما بطن، وأنا من أنصار التوزيع العادل للثروات العربية، ومن المؤمنين باستحالة الوحدة في ظل الأنظمة العربية القائمة منذ عصر الطوائف، فكيف لا يساورني قلق، ما دامت كل واحدة من تلك "الحماقات" التي أؤمن بها، تصلح لأن تكون "قائمة إرهابية" بحدّ ذاتها؟ 
والغريب في أمر قوائم "التفتيش" الجديدة، التي تحاكم الناس على مجرد الشكوك، أحياناً، أنها بدأت تضم جهات لا يصنفها الأميركيون والصهاينة والغرب عموماً، ضمن فئة "المغضوب عليهم"، كالإخوان المسلمين مثلاً، المعروفين بسلمية دعوتهم وامتدادهم الشعبي العربي، إذ يتجاوز عددهم مائة مليون عضو موزعين على أكثر من 72 دولة في العالم، ما يعني أن هناك "100 مليون إرهابي في العالم"، وفق لائحة "آخر طبعة"، وبما يعني أيضاً، أن عدد الإرهابيين في العالم، عربيّاً وإسلاميّاً، يفوق حزمة دول عربية مجتمعة، فكيف يمكن لدول "القلّة" أن تتهم جماعات "الكثرة" بالإرهاب؟
والأغرب من ذلك أن ديك الحبش الأميركي نفسه، ومعه بعض الدول الغربية، بدأوا يعيدون النظر في "إرهابية" جهات مدرجة على قوائمهم على غرار حزب الله، مثلاً، الذي يقاوم المحتل الإسرائيلي، فيما نصرّ نحن على اعتبار كل من يقاوم إسرائيل إرهابيّاً. ثم إنني لا أستوعب كيف لا تضم قوائم "العار" العربية، إرهابيين صهاينة، من أمثال نتنياهو وليبرمان، بل والكيان الصهيوني كله، بخاماته ومستوطنيه، الذين يتنفسون الإرهاب مع الهواء الذي يستنشقونه يوميّاً، ويقترفون مجازرهم القبيحة في حق الفلسطينيين والعرب، على مرأى، وربما خلال إدلاء وزارات الخارجية العربية بقوائم "الإرهاب".
في مقابل ذلك كله، يتعيّن على الدول المتمسّكة بـ"قوائمها الأربع" أن تدرك، أيضاً، أن للشعوب قائمتها الخاصة بكل من يتاجر بدمائها ويئد أحلامها، وهي تتسع وتطول في صباح كل مجزرة ترتكب في حقها. قائمة تستطيع أن تحدد "الإرهاب" جيداً، وتصفه عن ظهر "سوط"، خصوصاً إذا كان إرهاب أنظمةٍ تتفنن في تعذيب شعوبها، وقتل آمالها في الحرية. قائمة تعرف من يستورد الإرهاب استيراداً، ويباركه على ظهر الأساطيل والبوارج الأميركية، ومن يبتاعه ابتياعاً من تل أبيب، ليصهر به جلود أهل غزة.
فلتكن، إذن، "قيامة" مقابل "قائمة" شوهاء لم تعد تخجل من تصنيف الشعوب العربية كلها في قائمة "الإرهاب. وعلى هذه الشعوب أن تفخر، منذ الآن، بأن "اسمها مكتوب" في قائمة الشرف.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.