كان مبدأ التعاون بين الشعوب والدول "العالمية Internationalism "، وترابط جميع البشر أحد أهم آراء آينشتاين عن العالم، والذي رافقه طوال حياته، كما أنه ميز حياة آينشاتين بجانب العديد من المفاهيم والقواعد الأخرى، فوق كونه عالم فيزياء نظرية، وقد نُشرت تلك الآراء بوضوح مع عددٍ كبير من الاستشهادات والمراجع التاريخية في الكتاب الجديد الذي صدر في خريف 2016 بعنوان (آينشتاين وسياسات القرن العشرين: تأثير أخلاقي مفيد).
وُلد أينشتاين خلال عصر كان لايزال في بداية استكشاف بعض ثقافات العالم وفهمها. وكلّما اكتشفنا المزيد عن العالم، كلما أصبحنا أقلّ تعصبَا تجاه الآخرين. وكان ذلك أمرًا جيدًا، مبدأ اعتنقه آينشتاين، وفي هذا الصدد قال: "القومية من وجهة نظري، ليست أكثر من تبرير مثالي للتسلّط العسكري والاضطهاد".
لكن عندما تعلّق الأمر، على سبيل المثال، بتحوّل روسيا إلى الاتحاد السوفييتي بعد الثورة البلشفية، كان هناك بعض المفكّرين الذين رحبوا بذلك ومن ضمنهم ألبرت آينشتاين - خاصة كبديل للرأسمالية الغربية- وهو لم يُشر بالضرورة إلى أنهم على المسار الصحيح، لكن على الأقل، مسارٌ بديلٌ جديرٌ بالدراسة - خاصّة عندما حدثت الأزمة الاقتصادية المسمّاة بالكساد الكبير عام 1929 في الولايات المتحدة - وأصبح معها التمسك بمفهوم الرأسمالية الخالصة ليس بالخيار الأفضل للبشر.
لم ينوِ آينشتاين تبني الشمولية كما بدا عليه، لكن المزيد من المساواتية التي تجسّدت في أناس مثل غاندي، والذي اعتبره بوصلته الأخلاقية العليا. وكان ملتزمًا تمامًا بالديموقراطية. اتّسعت تلك المساواتية لتشمل حتى آراءه بشأن الأنظمة الاقتصادية والسياسية؛ وقد أصاب لبّ الحقيقة في مقالة كتبها عام 1949 بعنوان "لماذا الاشتراكية؟" لما انبثق من تطوّرات عن الرأسمالية آنذاك (وما نشهده الآن أصبح أكثر تطرفًا) وفيما يلي جزء منها:
يعد حكم الأقلية المالكة لرأس المال الخاص هو نتيجة لهذه التطوّرات، فهي تشكّل سلطة هائلة من النوع الذي لا يمكن ضبطه بشكلٍ فعّال حتى من قبل المجتمع السياسي المنظّم بشكل ديموقراطي. هذا أمرٌ واقعٌ منذ أن تم اختيار أعضاء الهيئات التشريعية من قبل الأحزاب السياسية، المموّلة من أصحاب رأس المال الخاص بشكلٍ كبيرٍ أو بطريقة أخرى منذ أن سيطرَ عليها أصحابُ رأس المال الخاص الذين يفصلون جمهور الناخبين عن السلطة التشريعية لجميع الأغراض العملية، النتيجة الحتمية لذلك أن نوّاب الشعب لا يحمون مصالح القطاعات المحرومة من الشعب بما فيه الكفاية. علاوة على ذلك، وفي ظل الظروف الحالية، يتحكّم أصحاب رأس المال الخاص بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في المصادر الرئيسية للمعلومات (الصحافة والإذاعة والتعليم)، وكي يتوصّل المواطن إلى استنتاجات موضوعية ويستفيد من حقوقه السياسية فإنه يجد أن الأمر غاية في الصعوبة، بل ويعدُّ أمرًا مستحيلاً في أغلب الحالات.
سباق التسلّح
على مدار حياته، شاهد آينشتاين بعضاً من نظرياته العلمية وقد ساعدت على تطوير أوّل قنبلة نووية اُستخدمت في تدمير هيروشيما وناغازاكي. بينما لم يكن في وسعه فعل شيء حيال التطوّر الفعلي لهذه الأسلحة، كما مُنع من العمل عليها بسبب آرائه السياسية؛ فقد اُعتبر خطرًا أمنيًا بسبب ميوله وآرائه اليسارية.
غير أنه كتب بالفعل إلى الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين ديلانو روزفلت في عام 1939 ليحذّره من تطوير النازيين لمثل هذه الأسلحة، الذي يعدّ تهديدًا حقيقيًا؛ لم يكن يتردّد هتلر في استخدام مثل هذه الأسلحة ضدّ أي دولة يعتبر أنها عدوة له.
هذا ما دفع الولايات المتحدة للبدء فعلاً في العمل على تطوير قنبلتها النووية، التي تم تفجيرها فوق هيروشيما اليابانية في السادس من شهر أغسطس 1945 وتلاها إطلاق قنبلة على مدينة ناغازاكي في التاسع من الشهر نفسه. أعلن آينشتاين عند سماعه للأخبار عن أسفه قائلاً "وا أسفاه إنه أنا".
في الحقيقة، عندما سُئل فيما بعد عن سبب تعاونه في تطوير القنبلة النووية، برغم أن مدى تعاونه اقتصر على تطوير معادلة: ( E=MC2 طاقة تساوي حاصل ضرب الكتلة في مربع سرعة الضوء) والكتابة لروزفلت بشأن خطورة امتلاك النازيين للقنبلة أولًا، كانت إجابته عن هذا السؤال لمجلة نيوزويك، "لو كنت أعرف أن الألمان لم ينجحوا في تطوير قنبلة نووية، لما فعلت أي شيء".
وكما هو شأنه دائمًا، كان واحدًا من دُعاة السلام، أصبح قلقًا بشأن مستقبل البشر عندما شاهد سباق التسلّح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي يتصاعد بشكل مثير، وبالتزامن مع تطوير القنبلة الهيدروجينية. حيث وقّع على البيان المعروف باسم بيان "راسل-آينشتاين"، والذي أصدره راسل بعد شهور قليلة جدًا من رحيل آينشتاين. كان البيان دعوة إلى العلماء كي يلتقوا ويقيموا المخاطر التي تشكّلها مثل هذه الأسلحة من أسلحة الدمار الشامل على بقاء البشرية ـــ ودعوة إلى حوار يشمل جميع الشعوب والحكومات. وكانت العبارة التالية: "تذكّر إنسانيتك، وانس ما سواها"، أكثر العبارات المقتبسة من البيان بعد إصداره. كان هذا البيان بمثابة الوثيقة النهائية المنسوبة إلى ألبرت آينشتاين.
أخيرًا، كانت أسس أفكار آينشتاين السياسية/ الفلسفية خلال حياته كما يوضحها الكتاب هي: "الشغف الدائم بإحلال السلام... كراهية القومية الضيّقة والمحدودة ... الالتزام بمبدأ التعاون بين الدول والشعوب: العالمية".