قمّة مكّة: إهانة فلسطين أم العروبة؟

03 يونيو 2019
+ الخط -
ما يردُ في حديث وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حول القمتين؛ العربية والإسلامية، وما دار فيهما عن فلسطين، يُشيرُ إلى تحولٍ خطير، فهو يحملُ في طيّاتهِ غير ما شاهدناه، إذ لو كان الحديث حول قمة عربية فقط، لكان أمرًا مفهومًا.

فقد شاهدنا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، يطلبُ- وعلى الهواء مباشرةً- إضافة بند في مقررات القمة، بالتأكيد على قرارات قمتي تونس والظهران، في ما يتعلقُ بالقضية الفلسطينية، وهذا يدلُّ على أنّ قرارات القمة العربية المُنعقدة في مكة- ويا للأسف- كانت ستتجاوز قضية فلسطين وعذابات شعبها المُدافع عن القدس، توأم مكة، وسرّة الأرضِ نحو السماء، ولا تذكرها على الإطلاق. أمّا أنّ ذلك كان سيتكرّرُ في قرارات القمّة الإسلامية- كما يذكُر وزير الخارجية القطري- لولا إصرار الوفد الفلسطيني، فهذه مصيبة أكبر، بما في معناها، أنّ ما نراه من مواقف علنية، لا تُعبّر عن المواقف الحقيقية، الّتي يبدو أنّها مُتّسقة مع مطالب ترامب والصهاينة.

ويُمكن أن يتساءل المرء: هل ما يقوله الوزير القطري حقيقة، أم من باب المناكفة مع العربية السعودية؟ يبدو أنّه حقيقة، فمثلًا في الصورة التذكارية للقمتين؛ العربية والإسلامية، تم وضع الرئيس الفلسطيني في الصفِّ الثاني- أي في الخلف- بطريقة مقصودة، وقد ظهر كاتمًا غيظهُ بابتسامة المُجبر على الصورة، وهو المصنّف رئيس دولة معترفًا به بهذه الصفة، عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، ولم يوجد في الصف الثاني كما رأينا، إلّا من هم أقل من رئيس دولة؛ أي الأمراء والوزراء والمندوبون، وهذا يحملُ في طيّاتهِ علامات سياسية، لا بروتوكولية فقط، فالبروتوكول جزء من السياسة ويُعبّر عنها، فتعني هذه الإشارة التقليل من شأن أبو مازن، كرئيس للشعب الفلسطيني، ومن شأن بلده فلسطين، الّتي كانت وما ز
الت تُمثّل كرامة العرب أمةً ودولًا، ومن غير الواضح كيف اجترعَ الرئيس عباس الأمر!

لكن أغلب الظن، أنّ مردَّ ذلك إلى تمثيله لشعب مظلوم ومقهور، فمهما قسى عليه إخوته العرب، كان الفلسطيني، دومًا ما يتجاوز بحُلمه وتفهّمه لواقعهم المُر، بأنهم دول تابعة لا إرادة سياسية لها، تحكُمها واشنطن، وتوجهها مصالح عائلاتها الحاكمة، لا مصالحها القومية، الّتي يُفترض أنها فوق كل اعتبار. رُبما لو كان الزعيم الفلسطيني الموجود في القمة هو الراحل ياسر عرفات- المعروف بالأنا العالية في القضايا الرسمية، فقيمته من قيمة فلسطين لدى شعوب العرب- ما كان ليُمرّر ذلك، وربما لغادر القاعة والقمّة، أو اندفع إلى الأمام ضاربًا بعرضِ الحائط ترتيب البروتوكول ومُريديه، ومثبتًا نفسه أولًا حيث يجب أن تكون فلسطين، ولكان أثار صَخبًا ما بعده صخب، لكن هذه الـ"لو" افتراضية، فواقع القضية الفلسطينية والعرب مختلف اليوم، حيث لا ملجأ للفلسطيني كما السابق، حين كان الفلسطيني المُناضل، يتنقّل بين أقطاره، فإن خذله أحد أشقائه، لاقاه السوري، وحضنه العراقي، ووقف معه الليبي، وناصره المصري، وشدّ على يده الجزائري والتونسي والمغربي، ودعمهُ السعودي والإماراتي والقطري والكويتي.. إلخ.

لم يعُد العالم العربي اليوم، ذاك العالم الرحب بفضاءاته المتحررة من القيد، فقد أصبح محكومًا بالسياسة الأميركية وتوجهاتها، بعد أن هُشّم، ودُمّرتْ دوله المُتمتعة بالاستقلالية والسيادة، وصارت أطلالًا، تبقّى منها الاسم فقط، وما هو موجود لم يعد حاكمًا ومحورًا، بل تابعًا لأتباع الولايات المتحدة، من الدول منقوصة السيادة، الّتي ما زالت تمتلكُ المال، وتفتقدُ القرار.

حِرصُ الرئيس عباس على عدم قطع شعرة معاوية مع هذه الدول، هو ما جعله يُمرّر هذه الغصّة/ الإهانة، واضحة المعالم والدلالات. فلا يُمكن تقبُّل ذلك الخطأ المقصود من دولة عربية بحجم السعودية، وهي تمتازُ بثقلٍ قومي وديني، ولا يُمكن تقبل أن يصدر مثل هذا الفعل، من قبل الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي كان يتغنّى ويُجاهر بأنّه أحد أعضاء حركة فتح وفدائيّ فيها، ولا من الذي أثارتْ يومًا حفيظته اتفاقية إعلان المبادئ في أوسلو، فدعا أحد القادة الفلسطينيين، يستفسرُ منه عن مكانةِ القدس في الاتفاقية، وقوله له: نحنُ معكم في كل ما تختارون، لكن دون تفريط بالقدس. لا يُمكن للملك سلمان، أن ينقلب على ذاته بهذا الشكل، وهو في هذا العمر العتي، وكلّ الظن أنّ من وجّه الإهانة لفلسطين هو أحد الأغرار؛ أرعن لا يعرفُ قيمة الناس، ولا قيمة بلادهم أو شعبهم.

من الواضح أنّ هناك من هُم في مراكز النفوذ وصنع القرار السعودي، قد غالوا في التّماشي والسير، في ركبِ خطط ترامب وحليفه نتنياهو في تصفيةِ القضية الفلسطينية، ولم تعُد لديهم القدرة على تحمّل رفض الطرف الفلسطيني، الذي تعهدوا لترامب بتدجينه. رفضُ أبو مازن الصريح، لحضور المؤتمر، ودعوة المُنظّمة لمقاطعته، بعد أن أعلنت السعودية والإمارات والبحرين المشاركة فيه، مثّلا ضربةً لهذا الفريق العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات، وقد يكون هناك سبب إضافي، وهو زيارة الرئيس أبو مازن لقطر، وقبول دعمها المادي وشُكرِها.

مهما كانت الأسباب، والّتي قد تكونُ مُجتمعة، فإنّ السعودية خاسرة دون الفلسطينيين، فإذا خَسرتهم، تَمنحُ عدوّها الأول إيران- كما هي تُصنّفهُ- ورقة قوة، فإيران بتبنّيها للقضية الفلسطينية ومقاومتها، تُبرّر نفوذها وتمويل أذرعها.. فمن يَكسب الفلسطينيين ويدعمْ قضيّتهم يسُد، ومن يتخلَّ عنهم يتقوقع، كونها قضية العرب الأولى وعنوان كرامتهم؛ من يرفعْ شأنها، يزدَدْ شأنه، ومن يفعل العكسَ يُذلّ.
49721F95-8579-4DCE-9938-9DCF3C3F2D54
49721F95-8579-4DCE-9938-9DCF3C3F2D54
مجد أبو عامر

باحث وشاعر فلسطيني

مجد أبو عامر