لن تغيب القضايا السياسية الساخنة في المنطقة عن جدول أعمال هذه القمة، فهي ليست قمة اقتصادية، وإن كان الاقتصاد هاجسها الأكبر وموضوعها الأساسي. يتباحث قادة هذه الدول حول القضايا التي تشغل المنطقة، إذ يتضمن جدول الأعمال التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأزمة اللاجئين، والملف السوري، ومحاربة الإرهاب، مع بحث الأزمة الليبية، وقضايا أخرى مركزية في المنطقة.
إلّا أنّ مقررات هذه القمة سياسياً، لن تخرج عن بروتوكولاتها المعتادة منذ عام 2005. فمن غير الوارد، ومن خلال قراءة مسودة "إعلان الرياض" المنشورة، أن يتم تبني مبادرة سياسية عمليّة باسم الدول العربية ودول أميركا الجنوبية ومحاولة فرضها في أي قضية من هذه القضايا العالقة، إنْ كان في فلسطين المحتلة، أو سورية، أو ليبيا، أو اليمن، أو أية دولة أخرى. فالموقف السياسي لهذا التكتل سيبقى في الإطار الشكلي ومن دون فاعلية بسبب رغبة الدول المشاركة في بناء تعاون اقتصادي أعمق، ما يعني أهمية الاحتفاظ بحد أدنى من السياسة.
ويأتي هذا التكتل العربي ــ اللاتيني نتيجة لرغبة الرئيس البرازيلي السابق، لويس دا سيلفا، والذي دفع باتجاه توسيع التعاون بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية، إثر جولته العربية عام 2003. وأسفرت جهوده لاحقاً عن تأسيس ما يشبه التكتل العربي ــ الأميركي اللاتيني عام 2004، لتنعقد أولى قمم هذه المجموعة عام 2005 في البرازيل بحضور قادة هذه الدول، بالإضافة إلى رجال أعمال. وأسست هذه الدول لاجتماعات دوريّة، لترسيخ التعاون المشترك بينها، إذ تنعقد القمة على مستوى القادة كل ثلاث سنوات، وعلى مستوى رؤساء الخارجية، كل سنتين، وعلى مستويات أقل، بشكل سنويّ.
انعقدت ثلاث قمم قبل "قمة الرياض" الحالية. وبالإضافة إلى قمة البرازيل الأولى عام 2005، انعقدت "قمة الدوحة" (قطر) عام 2009، و"قمة ليما" (بيرو) عام 2012. ويمكن قراءة أهداف هذا التكتل من خلال "إعلان البرازيل" لقمة 2005، إذ يعتبر البيان نواة لتأسيس العلاقات العربية ــ اللاتينية خلال العقد الماضي. تلك العلاقات التي لم تكن سيئة، لكنها كانت دون المستوى، وخصوصاً في الجوانب الاقتصادية.
ساهم صعود أنظمة يسارية في أميركا الجنوبية في إذكاء طموحات هذه الدول لتأسيس علاقات سياسية واقتصادية أوسع، للخروج من هيمنة الولايات المتحدة، والتي تتعامل مع أميركا الجنوبية بمثابة "حديقتها الخلفية". انعكس هذا التوجه (وهو برازيلي في جوهره) في تأسيس منتدى دول "بريكس" عام 2006، وضمّ هذا التكتل كلاً من الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا، ولاحقاً جنوب أفريقيا. وتُرجمت هذه الرغبة البرازيلية، لاحقاً، على شكل التعاون في قمة الدول العربية ودول أميركا الجنوبية.
ركّز "إعلان البرازيل" عام 2005 كإعلان تأسيسي للقمة، على قضايا سياسية واقتصادية متنوعة. ويأتي في مقدمة القضايا، التأكيد على أنّ هذه الدول تتقاسم "الأهداف ذاتها لوضع الأولوية للتنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي المستدام"، مع تأكيدات على تعزيز "السلام، والأمن، والاستقرار العالمي "وفق" القانون الدولي، ومراعاة حقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي".
اقرأ أيضاً "كامب ديفيد" الأميركية - الخليجية شكوك باقية وأولويات متباينة
كذلك رسمت هذه الدول خطة سياسية، بتأكيد "محاربة الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل" والتعهد باحترام سيادة الدول، واعتماد "تحالف الحضارات" والحوار في ما بينها، واحترام "التعددية"، فيما يظهر وكأنه رد متأخر على إعلان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن عام 2001، بتقسيم العالم إمّا مع أميركا أو مع "الإرهاب"، ما مثّل ذروة "صدام الحضارات" حينها، بحسب مراقبين.
هذه السياسة "البروتوكولية" تعني أنْ لا توقعات لخطوات سياسية "ثورية" من أي نوع، وهذا ما أثبتته تجربة عشر سنوات من التعاون، إذ حافظت دول القمة العربية ــ الأميركية الجنوبية على تنسيق سياسي "عادي" في ظلّ أجواء شديدة الاضطراب في الشرق الأوسط، وخصوصاً بعد الثورات العربية عام 2011، وما رافقها من هزة سياسية كبرى للنظام العربي الإقليمي.
سياسياً، تبنّى "إعلان البرازيل" وجهة النظرة العربية الرسمية تجاه فلسطين، ودعم ما يُعرف بـ"حلّ الدولتين"، إذ دعم إعلان البرازيل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، ووجوب خضوع الجانب الإسرائيلي لقرارات الأمم المتحدة (البندان 242 و338)، ومقررات مدريد، و"مبادرة السلام العربية" التي تؤكد ضرورة انسحاب الجانب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، بالإضافة إلى تفكيك المستوطنات، وخصوصاً في القدس الشرقية، وإيقاف بناء الجدار العازل، ما يشير إلى أنّ القمة الحالية تدعو إلى الأمر ذاته، بحسب مسودة "إعلان الرياض".
وتأتي هذه الرؤية من دول أميركا اللاتينية تجاه القضية الفلسطينية، منسجمة مع مواقف بعض هذه الدول تجاه الكيان الصهيوني، بصورة منفردة، إذ لا تتمتّع دول تشيلي، وبيرو، والبرازيل، والأكوادور، وبوليفيا، وفنزويلا بعلاقات وديّة مع إسرائيل، وبعض هذه الدول سحبت سفراءها من تل أبيب احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2009، ودول أخرى، مثل بوليفيا التي اعتبرت إسرائيل "دولة إرهابية".
وأشار "إعلان البرازيل" عام 2005 إلى "ضمان استقلال وسيادة العراق، وضرورة إيقاف العقوبات التي تضعها الولايات المتحدة على سورية، بالإضافة إلى التأكيد على وحدة أراضي السودان، وضرورة انسحاب الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الجزر الإماراتية المحتلة". ودعا "إعلان البرازيل"، في الوقت عينه، إلى ضرورة عقد مباحثات أرجنتينية ــ بريطانية ــ أيرلندية للتباحث حول "مسألة مالفيناس" أو جزر فوكلاند المتنازع عليها بين الأرجنتين والمملكة المتحدة. ويؤشر ضمّ كل هذه القضايا إلى رغبة هذه الدول في صياغة موقف سياسي موحد متبادل من القضايا السياسية العالقة في المنطقتين، كهاجس رئيسي، قبل البدء في بناء علاقات اقتصادية أعمق.
احتلت القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية ما يقارب ثلث "إعلان البرازيل" بينما تَوّج الثلث المتبقي، بالحديث عن القضايا الاقتصادية، كتأكيد أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين هذه البلدان، ودعم الشركات والتبادل التجاري بين المنطقتين، ومحاولة بناء عالم اقتصادي أكثر عدلاً وإنصافاً. وعلى الرغم من أنّ فكرة التكتل جاءت لتكون نواة لتعاون شامل، سياسي وثقافي واقتصادي وتقني، إلّا أنّ آثاره الاقتصادية كانت هي الأبرز والأكثر حسماً من بين أوجه التعاون المشتركة بين هذه البلدان.
ويمكن اعتبار البرازيل من أكثر الدول الأميركية الجنوبية الرابحة من هذا التكتل اقتصادياً، في حين تضاعف الميزان التجاري العربي ــ الأميركي الجنوبي 183 في المائة خلال الفترة ما بين 2005 و2014، ليصبح حجم التعاون الاقتصادي عام 2014 بين هذه الدول 34.7 مليار دولار أميركي، مثّلت قيمة التبادل التجاري مع البرازيل وحدها، قرابة 24.8 مليار دولار.
اقرأ أيضاً السعودية: ملفّات خليجية وإقليمية على أجندة الملك الجديد