يعقد قادة دول الاتحاد الأوروبي، اليوم الأربعاء، قمة طارئة لبحث الوضع في بيلاروسيا على خلفية تجدد التظاهرات الاحتجاجية الرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية، التي أعلنت الرئيس المرشح ألكسندر لوكاشينكو رئيساً للبلاد بدلاً من مرشحة المعارضة سفيتلانا تيخانوفسكايا، التي بدورها دعت الأوروبيين إلى رفض نتائج الانتخابات الرئاسية "المزورة" التي أُجريت في التاسع من أغسطس/آب في بلدها وسمحت للوكاشينكو بالبقاء في منصبه لولاية سادسة.
واضطرت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 إلى عقد هذه القمة في ظل التظاهرات الاحتجاجية التي يشنها أنصار مرشحة المعارضة التي لجأت إلى دولة ليتوانيا، رافضين ما وصفوه بتزوير نتيجة هذه الانتخابات وكذا العنف الذي تعاملت بواسطته قوات الأمن في محاولة لإجهاض مسعاهم الرامي إلى إرغام الرئيس لوكاشينكو على مغادرة القصر الرئاسي.
وقالت تيخانوفسكايا، باللغة الإنكليزية في تسجيل فيديو موجه إلى مجلس أوروبا ووضع على موقع يوتيوب، اليوم الأربعاء: "أطلب منكم عدم الاعتراف بهذه الانتخابات المزورة". وأضافت أن "لوكاشنكو فقد كل شرعية في نظر أمتنا والعالم".
وتأتي دعوة تيخانوفسكايا قبل ساعات من قمة استثنائية للاتحاد الأوروبي حول بيلاروسيا، تعقد اليوم الأربعاء، والتي من المقرر خلالها توسيع العقوبات على الرئيس لوكاشينكو، والتي فرضت الأسبوع الماضي بعد قمع التظاهرات الحاشدة.
ومن المفترض أيضاً أن تشدد القمة الأوروبية، وفق تقارير صحافية، على حق الشعب في تقرير مستقبله واختيار قيادته بحرية ورفض أعمال القتل والعنف والتعذيب ضد المتظاهرين، كما وحملات الاعتقال التي طاولت الآلاف منهم.
وأبرزت صحيفة "دي تسايت" الألمانية أن الحكومة الألمانية تقوم بحملة من أجل مراجعة مستقلة لنتائج الانتخابات البيلاروسية. وقال المتحدث باسم الحكومة شتيفن زايبرت، أخيراً، إن الأنسب لذلك هي منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ووفق ما بينت شبكة "ايه ار دي" الإخبارية، فإنه من منظور الاتحاد الأوروبي فإن الانتخابات لم تكن حرة ونزيهة، وأن المطلوب زيادة الضغط على الحاكم المتعثر لوكاشينكو، لا سيما أن الاتحاد الأوروبي يريد الوقوف صراحة إلى جانب المجتمع المدني.
وفي هذا الإطار، يعتبر المحلّلون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن على الاتحاد الأوروبي التصرف بحذر حتى لا يوفر لروسيا ذريعة للتدخل عسكرياً، مع التشديد على أنه لا يمكن مقارنة الوضع الحالي في بيلاروسيا بالتصعيد في أوكرانيا عام 2014، لأن دافع المجتمع البيلاروسي نحو الغرب أقل وضوحاً، ولا توجد لديه مطالبة بالانتماء إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وسياسيو المعارضة هناك لا يريدون الانفصال عن موسكو ويرون في روسيا شريكا مهما لهم.
تحذير لموسكو
بدوره، توقع غوستاف غريسيل، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في حديث صحافي، أن يوضح قادة الاتحاد الأوروبي في قمة اليوم، الأربعاء، لروسيا أنه لم يكن هناك تحريض لحركة المعارضة في بيلاروسيا، ومن ناحية أخرى من المهم تحذير موسكو وبوضوح من التدخل العسكري لأنه ستكون لذلك عواقب وخيمة.
وأكّد أن السياسة الخارجية الأوروبية تواجه مهمة حساسة، ومن الضروري إجراء نوع من التوزان في المواقف خلال الأسابيع المقبلة، مشيراً إلى أن بيلاروسيا واحدة من جهوريات الاتحاد السوفييتي السابق التي كانت للاتحاد الأوروبي علاقات خاصة معها على مدى عشرات السنوات، ولوكاشينكو كان محايداً في ملف النزاع مع أوكرانيا، كما أنه حافظ على مسافة من موسكو في عدد من القضايا الأخرى.
وحذّر في الوقت نفسه من تسيس الأزمة جيوسياسيا، موضحاً أنه يجب أن يكون للشعب في بيلاروسيا الحق في التغيير من دون أن يطلب منهم الالتزام تجاه الغرب، وما يمكن أن يفعله الاتحاد هو الاستماع إلى المطالب هناك بشكل بناء وتمكينهم من تحسين وضع بلدهم.
وأشار إلى أنه من المهم أيضاً أن يرسل القادة الأوروبيون خلال قمتهم رسالة تضامن إلى الشعب في بيلاروسيا.
عقوبات وتجميد حسابات
في السياق، ذكرت الشبكة الإخبارية الألمانية أنه لأهمية بيلاروسيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، لذلك يعد الاتحاد قائمة عقوبات، بينها حظر دخول وتجميد حسابات لمؤيدين للوكاشينكو، بينهم من شاركوا في أعمال العنف وتزوير الانتخابات من أجل زيادة الضغط عليه.
وتقع بيلاروسيا بجوار ثلاث دول أوروبية، هي لاتفيا وبولندا، وليتوانيا التي طالب رئيسها، أمس الثلاثاء، جميع الأطراف بالابتعاد عن الشؤون الداخلية لبيلاروسيا، وبالنسبة لهذه الدول هناك قلق من دفع بيلاروسيا إلى الحضن الروسي وهي تحظى بدعم شركائها في الاتحاد الأوروبي. وأيد رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان دخول الحكومة البيلاروسية في حوار وطني مع المعارضة والمجتمع المدني من أجل التغلب على الأزمة.
وتجدر الإشارة إلى أن ثلاثة من القادة الأوروبيين، وهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، تواصلوا هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضه على الحوار والتصرف بشكل معتدل، في وقت تعتبر موسكو أن أي محاولة لتدخل خارجي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التصعيد، وذلك بعدما عرض الكرملين دعمه للنظام في مينسك، الأمر الذي دق ناقوس الخطر في دول الاتحاد الأوروبي. مع الإشارة إلى أن روسيا تتميز بعلاقات وثيقة وتاريخية مع بيلاروسيا وهي أكبر شريك تجاري ودائن لها.