قلوبهم مع المحتل وسيوفهم ضد فلسطين

11 سبتمبر 2020
الفلسطيني لا يحتاج دروس مراهقي السياسة حول حقه (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -

يخدع نفسه من يظن أن مقدمات المشهد الرسمي العربي ستنتج شيئاً مختلفاً عن "رخصة التأسرل". فالقصة ليست فقط "تطبيع" وتطويع عقول، بل أيضاً في تنصيب البعض أوصياء على شعب فلسطين، الذي لا يحتاج دروس مراهقي السياسة حول مواجهة نفي وجوده وحقه التاريخيين، منذ 1929 (ثورة البراق) و1936 (الثورة الكبرى). وبالمناسبة مقابر رجال الجزيرة العربية، المدافعين مبكراً عن فلسطين، ما تزال شاهدة على زمن عربي آخر.
فالجامعة العربية المترهلة والفاسدة منذ 70 سنة تصر على لازمة: "فلسطين قضية الأمة". فعند الاستبداد، بكل صنوفه وإيديولوجياته، فلسطين ليست ذاتها عند الشارع العربي. من تلك اللازمة اشتقت أسرلة تجريف بيوت أبسط الناس، وترميم بيت عميل إنكليزي، "لورانس العرب"، واستنبطت مفردات اتهام الشعوب، التي ترفع صوتها طلباً للحرية، بـ"العمالة والخيانة والاندساس"، وفي أخرى مثيرة للسخرية: "عملاء للاستعمار".
المشهد واضح وبسيط منذ سنوات: الشارع العربي في وادٍ والأنظمة في آخر. فسيوف وقلوب مؤسسة موميائية أصبحت علانية ضد فلسطين، ومع احتلال لا يأبه إلا لمستوى انبطاحيتهم. وتلويث اللغة بشعار "مواقفنا ثابتة"، لا يخص فلسطين فقط. ماذا فعلت جامعة 22 نظاماً لشعب سورية، المهجر ببراميل التدمير والقتل بالكيميائي، واستجلاب مرتزقة المجازر بدراهم عربية؟ وماذا فعلت للبنان في كارثته الأخيرة، والسودان واليمن والعراق وليبيا، وحصار قطر، مقابل فتح الفضاء أمام طائرات الاحتلال، والتحالف معه في المتوسط؟
ولا حاجة لأسئلة كثيرة عن كورونا وغيرها من الكوارث، تهرع مؤسسات إقليمية أخرى، شمالاً وجنوباً، لمناقشة مواجهتها، أو قول كلمة ضد قمع شعوب جارة، كما تفعل أوروبا مع شعب بيلاروسيا.
صحيح أن الواقع مؤلم، لكن السكوت عليه أشد إيلاماً. فحين تُقاد شعوب فتية وخلاقة بحفنة مستبدين فاسدين تتحول الأوطان إلى سجون لشعوبها. وحين يستحكم النفاق والتملق لبطش الحاكم، يصبح خيرة شباب وشابات الأمة خلف القضبان أو تحت التراب، فلا غرابة أن يصبح مقاول مثل جاريد كوشنر "موجهاً" للانبطاح، وإيمانويل ماكرون "ناظراً"، رغم أن فلاحاً فرنسياً يمكن أن يوبخه ولا يختفي وراء الشمس. ربما الآن تتضح أكثر معاني رعب أنظمة بالوكالة من ثورات الشعوب العربية، ولهث المشغلين لحمايتهم، ليحرسوا حدود المحتل جيداً، بتوسيع الدائرة نحو الخليج. ببساطة، ما وصلت إليه "جامعتهم" من قاع ليس سوى انعكاس لقاع مستقبل لن ينفع فيه ما لم ينفع.