لم يصل القلق الأميركي من الوجود الروسي العسكري في سورية إلى مستوى ما وصل إليه عند بدء التدخل الروسي في أوكرانيا، بل يبدو في الحالة السورية وكأنه مفتعل، إذا ما تم التدقيق في تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما وكبار المسؤولين في إدارته.
ولم يكن مفاجئاً للمسؤولين الأميركيين، على ما يبدو، إرسال روسيا قوات عسكرية إلى سورية، إن لم يكن قد تمّ بتفاهم مسبق غير معلن بين موسكو وواشنطن. ولوحظ أن المتحدث باسم الخارجية الأميركية جون كيربي، دأب خلال الأيام الماضية على تفادي الخوض في تفاصيل التدخل الروسي، معللاً السبب بأنه "يُمثل الحكومة الأميركية ولا يمثل روسيا، والتي يجب أن توجه الأسئلة إليها عن طبيعة التدخل"، مكتفياً بالقول إن "التدخل خاطئ".
وعلى الرغم من أن التدخل الروسي العسكري في سورية لا يزال حتى الآن أقلّ حجماً مما هو عليه في الحالة الأوكرانية، إلا أن مسألة الحجم قابلة للتغيّر في أي لحظة. غير أن السبب الرئيسي لانخفاض حدة القلق الأميركي من القوات الروسية في الحالة السورية، يعود إلى عامل خارج عن السيطرة وهو الوجود القوي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
ووفق التصريحات الرسمية الأميركية، فإن إدارة أوباما تأمل أن تساهم القوات الروسية في الحرب الدائرة على تنظيم "داعش"، في حين أن ما لم تذكره التصريحات هو الارتياح الأميركي الضمني للتوغل الروسي، نظراً لاحتمال غرق الدب الروسي في وحل المواجهات البرية مع عناصر التنظيمات المسلحة في سورية، وهو ما نجت منه الولايات المتحدة حتى الآن. ومن المثير للدهشة أن أوباما "زفّ" خبر التدخل الروسي في سورية إلى مجموعة من الأميركيين في لقاء عام بولاية ميريلاند، الأسبوع الماضي، معتبراً إياه بأنه "خبر جيد". وقال إن "روسيا بدأت تشارك الولايات المتحدة قلقها من المتطرفين، ومن الخطر الذي يمثله تنظيم داعش".
واستنتج أوباما في سياق حديثه أن "دعوة الأسد روسيا للتدخل في بلاده، لم تأتِ إلا لأنه شعر بالقلق الشديد على سلطته"، مشدداً على أن "مخاوف الأسد من السقوط لن تغيّر استراتيجية الولايات المتحدة القائمة على محاربة داعش في كل من سورية والعراق، وفي البحث عن حلول سلمية للأزمة السورية السياسية". وشدد أوباما أن "محاولة روسيا تقوية الأسد خطأ سياسي كبير".
وفي السياق، يجدر التوقف عند ما أعلنته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، حين ذكرت أن "روسيا أرسلت سبع دبابات ومدفعية إلى قاعدة جوية في سورية". وقد بدا واضحاً أن تحديد عدد الدبابات في واقع الأمر، كان يهدف إلى التقليل من مستوى التدخل الروسي بدلاً من التحذير منه. وعادة حين يتمّ التهويل من حجم أي تدخل عسكري في أي بلد، فغالباً ما يتمّ تغييب الأرقام، وتبقى الأمور متروكة للتكهنات.
اقرأ أيضاً "البنتاغون": روسيا تعد لأكبر تواجد عسكري لها بالشرق الأوسط
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جيف ديفيس، قد ذكر في مؤتمر صحافي يوم الإثنين أن "روسيا تُشيد على ما يبدو قاعدة للعمليات الجوية في اللاذقية. ويبدو أن المدفعية التي وصلت الأسبوع الماضي قد تمّ إرسالها إلى هناك لحماية القاعدة الروسية، لا لتسخيرها لأغراض هجومية". لكن مسؤولين أميركيين آخرين قالوا إن "المعدات الروسية استمر نقلها إلى سورية مدة عشرة أيام". وتحدثت مصادر أميركية الأسبوع الماضي عن "وجود عشرات من عناصر مشاة البحرية الروسية، إضافة إلى منازل جاهزة قادرة على إيواء 1500 شخص، على الأقل".
أما السفير الأميركي السابق لدى سورية روبرت فورد، فقد أدلى بتصريحات لشبكة "أن بي سي" الأميركية، أعرب فيها عن اعتقاده بأن "الأسد بدأ يخسر الحرب الأهلية لصالح خصومه، وأن رفع مستوى الدعم الروسي للأسد هو محاولة روسية لإنقاذ النظام".
ويقترح فورد على إدارة أوباما أن "تستغل الفرصة وتضغط على الروس لقبول حل سياسي للأزمة السورية، عن طريق المفاوضات، إلى جانب تكثيف الضغط العسكري على الأسد نفسه، من أجل أن يقبل بتسوية سياسية ومفاوضات جادة". ويشير فورد إلى أن "تركيا والسعودية تقدمان مساعدات للمعارضة السورية، ولكن الضغط العسكري على الأسد يجب أن يشارك فيه الجميع عن طريق دعم المعارضة المعتدلة".
وعكس التدخل الروسي في سورية نفسه على الحملات الانتخابية الأميركية، لكن أبرز من أبدى اهتماماً بهذا التطور، هو حاكم ولاية فلوريدا السابق جيب بوش، الساعي لكسب ترشيح الحزب الجمهوري له في الانتخابات الرئاسية 2016. واعتبر بوش أن "التوغل الروسي في سورية وإرسال جنود روس إلى هناك أمر خطير، سيستولد مشاكل جديدة". وأرجع بوش ما جرى إلى "افتقاد الولايات المتحدة إلى قيادة قوية، قادرة على توجيه سير الأحداث ودعم الجيش السوري الحر لتحقيق الاستقرار في منطقة مهمة لأمن الولايات المتحدة".
اقرأ أيضاً: سوريو فرنسا.. أمل بالانتقال إلى ألمانيا أو بلجيكا