قلق جزائري من تشويش السيسي على مساعي الحل الليبي

21 يونيو 2020
تصريحات السيسي ردّ سلبي على مقترح كان أعلنه تبون(Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي كان فيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يبحث مع وفد ليبي رفيع يقوده رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، السبيل السياسي لحل الأزمة في ليبيا، ضمن مساعٍ جزائرية لم تُعلن كل تفاصيها، عُرضت الأسبوع ما قبل الماضي أيضاً على الطرف المقابل في الأزمة، رئيس مجلس برلمان طبرق عقيلة صالح الذي زار أيضاً الجزائر، كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلوّح في خطاب ألقاه في قاعدة عسكرية قرب الحدود مع ليبيا بالتدخل العسكري في الأخيرة وتسليح القبائل. وتذهب قراءات في الجزائر إلى الإشارة إلى وجود دور سلبي لمصر، لمنع أي تطور باتجاه الحوار والتفاوض بين الأفرقاء الليبيين، معتبرةً أنّ هناك عدم صدق في النيات المصرية تجاه مخرجات اجتماعات دول الجوار التي تجمع خاصة الجزائر وتونس ومصر، والتي كان قد بادر بها الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي في ديسمبر/ كانون الأول 2017.

ويفسّر مراقبون هذا التزامن على أنه رسالة مصرية موجهة أيضاً إلى الجزائر التي ترغب في أداء دور محوري في الفترة الراهنة وتبذل مساعي لحل الأزمة، وأن تصريحات السيسي رد سلبي واضح منه على مقترح كان قد أعلنه تبون قبل أسبوع في حوار تلفزيوني، عندما أكد أنه مستعد للتنسيق مع كل من مصر وتونس، باعتبارهما والجزائر أكثر دول جوار ليبيا ثقلاً وأهمية وتواصلاً سكانياً وجغرافياً معها، لصياغة مبادرة سياسية مشتركة للحل في ليبيا.

وبغضّ النظر عن جدية تصريحات السيسي، يرى مراقبون فيها دلالة على انزعاج مصري واضح من دور جزائري يتسع، وإطلاق هذه التصريحات "الحربية" تزامناً مع وجود السراج في الجزائر "لا يمكن أن يكون صدفة، ففي السياسة تحسب هذه التفاصيل"، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، الذي أكد في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تلك التصريحات "مؤشرات قوية على أن هناك انزعاجاً كبيراً وارتباكاً من تقدّم الجزائر بخطوات كبيرة، مدعومة بدول كبرى وازنة في مسعى وترتيبات جمع الفرقاء الليبيين على أرضها الشهر المقبل لإحياء العملية السياسية بتغطية أممية".

وأضاف بوعمامة: "أعتقد أنّ الجزائر تلقّت ضوءاً أخضر من جهات مؤثرة في الملف، وأنها تتقدم خطوات إلى الأمام، بعد التطورات على الأرض، وربما تشكّلت قناعة لدى هذه الجهات بأنّ خيار الحسم العسكري وصل إلى نهاياته، وطبعاً الأطراف التي استثمرت في خيار الرصاص لسنوات لا تستوعب هذا المعطى، لأنها لا تزال تمنّي نفسها بفرض من تريد في ليبيا ومن يؤمّن لها مصالح اقتصادية وسياسية، وبجعل ليبيا في مربعات نفوذها الجيوسياسي مستقبلاً".

وتابع بوعمامة، قائلاً: "الانزعاج المصري غير مبرر، لكون القاهرة لا يمكن أن تكون صانعة للحل، باعتبارها طرفاً في الأزمة، مقارنة بالجزائر"، لافتاً إلى "محاولة مصرية لإعادة التموقع في صياغات الحل". وأضاف: "من المهم أن يفهم المصريون أن الثقة التي تحظى بها الجزائر إلى حدّ كبير لدى الفرقاء الليبيين هي نتاج طبيعة الموقف الذي حافظت عليه، على الرغم من الضغوطات والتغيّرات، القاضي بعدم التورط في الدم الليبي وإبقاء الخطوط مفتوحة مع الجميع". وأشار إلى أنّ مصر والأطراف التي تقف وراءها "مستعدون لتجريب كل الحماقات وإطلاق المناورات لإجهاض لقاء الإخوة الأعداء مرة أخرى، لأن حصول ذلك يعني بداية نهاية طموحاتهم وأجنداتهم على حساب ليبيا وشعبها الذي ذاق المرارات وعاش المآسي".

لكن خطاب الحرب الذي أطلقه السيسي بشأن ليبيا، لم يقرأه كثيرون بشكل جدي في الجزائر (أخذاً بأن أي تطور في ليبيا له انعكاساته السياسية والأمنية على الجزائر)، بقدر ما فُسّر على أنه خطاب موجه إلى الداخل المصري، ومحاولة أيضاً "لرفع معنويات" المصريين التي تدنت في الفترة الأخيرة بسبب الاختناق الاقتصادي والمعيشي، والتحدي الإثيوبي في ملف سد النهضة، وكذلك بأنه محاولة من السيسي لتصدير المشكلات الداخلية والهروب من الاستحقاقات الاقتصادية والاجتماعية في مصر، وتوفير مبرر جديد للمزيد من الإكراهات الأمنية والاجتماعية على المصريين وزيادة موازنات الجيش. ويعطي المستوى العسكري صدقية لهذه القراءة، إذ يشير خبراء عسكريون في الجزائر إلى أنّ حديث السيسي عن خط "سرت-الجفرة" كخط أحمر، غير واقعي، إذ تبعد سرت عن الحدود المصرية نحو 1200 كيلومتر، ما يعني أنّ التوغل بقوات برية إلى هذا العمق غير ممكن حتى مع توفير تغطية جوية، وحتى مع افتراض موافقة كل القبائل في الساحل الليبي على ذلك، وفي ظلّ تمركز قوات الوفاق المدعومة من تركيا.

ورأى الباحث والمحلل السياسي مولود ولد الصديق، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الجزائر معنية بخطاب السيسي، ولا سيما في ما يتعلق بالمستوى السياسي لحل الأزمة الليبية، لأنه لا يمكن الجزائر التعامل مع أكثر من "موقف مصري"، لافتاً إلى أنّ ما يفهم من خطاب السيسي أنّ الأخير انتهى إلى تجاوز أمرين: الأول هو ما يزعم أنها مبادرة مصرية للحل السياسي أعلنها قبل أسبوعين في القاهرة برفقة عقيلة صالح واللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، والثاني هو نهاية الرهان على حفتر والتوجه نحو القبائل، ولا سيما بعد تصريحات مساعد وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش أخيراً التي اتهم فيها حفتر بالتصرف منفرداً وارتكاب أخطاء سياسية. وأكد ولد الصديق أنه يتعيّن على الجزائر طلب توضيحات سياسية من القاهرة بشأن مجمل هذا التحول في المواقف، لأنه يشوش على المساعي الجزائرية.

وبخلاف الفارق في المواقف بين الجزائر ومصر بشأن الأزمة الليبية، والموقف من الأطراف الفاعلة في الداخل الليبي، تعتبر بعض القراءات السياسية أنّ "صوت الحرب يكون دائماً أعلى من صوت السلم"، ما يعني أن الطرف المصري لديه أكثر من دافع محلي وإقليمي لتأجيج الصراع في ليبيا، وبالتالي عرقلة كل الجهد الجزائري المبذول باتجاه عقد مؤتمر حوار ليبي-ليبي الشهر المقبل في الجزائر. وذهب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى اعتبار أنّ "مصر السيسي لا تريد للجزائر النجاح في إرجاع الليبيين إلى طاولة المفاوضات، لأنها تسترزق من هذه الحرب، وتسعى إلى إطالة أمدها"، مضيفاً: "بعد خطاب السيسي، أعتقد أنّه سيكون من الصعب على الجزائر تحقيق المسار الذي بدأته، خصوصاً بعد الغياب الطويل لها عن ليبيا، إلا في حالة واحدة، هي وجود انقسام في جبهة حفتر، واقتناع برلمان طبرق بالتضحية به وتجاوز إملاءات الأطراف الإقليمية التي تؤجج الحرب، والمؤشر القوي على وجود هذا الانقسام في تقديري، هو تصريحات السيسي، الذي يُلمَس في خطابه الارتباك".