قلق متزايد في فرنسا من استمرار الاحتجاجات في الجزائر ضد ترشح بوتفليقة

01 مارس 2019
تخشى فرنسا من الانزلاق نحو العنف في الجزائر(Getty)
+ الخط -

يسود في فرنسا حذرٌ متزايد من الوضع في الجزائر، مع استمرار التظاهرات والاحتجاجات المعارضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، ومع ترقب قلق لتظاهرات اليوم، والتي من المفترض أن تعم سائر أنحاء الجزائر.

لا أحد يعرف في باريس إلى أين ستذهب الأوضاع في الجزائر بعد اندلاع موجة تظاهرات مُعارضة لترشُّح بوتفليقة، ومن هنا فالأنظار في باريس متجهة إلى تطورات الوضع في هذا البلد.

ومن السهل رصد القلق عبر مختلف وسائل الإعلام الفرنسية، التي تنقل إعجابها بسلمية الحراك المصمم على مواصلة الاحتجاجات حتى تحقيق رغباته في انتخابات ديمقراطية يستبعد منها رجال السلطة الحاليين، لكنها لا تخفي القلق من رد فعل السلطات الجزائرية، خاصة مع تحذير بعض المسؤولين الحكوميين الجزائريين من انفلات الأمور، ومن السقوط في العنف والفوضى.

وفي هذا الإطار، رأت افتتاحية صحيفة "لوفيغارو"، اليوم الجمعة، أن الشباب الجزائريين، الذين يشكّلون غالبية الشعب، والذين لم يعرفوا احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 1988 ولا العشرية السوداء التي تلت، لم يعد بالإمكان ترويعُهم.    

وشددت الصحيفة على أن هؤلاء الشباب "لا يريدون القمر، بل يريدون فقط ألا يتم تعيين مسؤولين في مناصب قبل الانتخابات، وألا يكون وجود هؤلاء المسؤولين مرسوماً مسبقاً".

واستعادت وسائل إعلام فرنسية ما يقوله الجزائريون، في الجزائر وفي فرنسا، عن رئيسهم. ورأت "لوفيغارو" أنه "من المُرعب أن يشعر المرء بالعار من قائده. مرعب سماع مواطن جزائري يعترف: رئيسي هو هذا الرجل الذي لا نراه أبداً، والذي لا يتحدث، ويظل منكمشاً على كرسيه المتحرك".

وسخرت الصحيفة الفرنسية من تحذيرات المسؤولين من أنه "إذا واصلتم الاحتجاج ستعود الفوضى، وسيكون خطأكم"، مضيفة أن "المتظاهرين لا يعترضون على الرجل، ولكن على النظام المافيوزي، الذي يحتفظ به على سدة الحكم، رغم مرضه، من دون الاكتراث بالإرادة الشعبية"، وهو نظام "استطاع الصمود في وجه العديد من الاحتجاجات، في أعوام 2019 و2011 و2013 و2014".

وإذا كان بوتفليقة، كما يقول مقربون من القصر الرئاسي، لا ينوي بعد مسيرة دبلوماسية طويلة وحافلة، الخروج من الباب الصغير، فإن المعارضة، التي من المفترض أنها قادرة على تقديم البديل، لا تعرف كيف تتحدث إلى الشباب.

وتتساءل "لوفيغارو": يبقى إذاً... الثورة؟ لتشير إلى أن الحكومة الفرنسية تتابع الوضع باهتمام.

وكتب أرنو دي لاغرانج، في افتتاحية "لوفيغارو": "السيناريو المظلم عن انزلاق في الفوضى مع مخاطر تفجر الأمة وعودة الجهاديين لا يمكن استثناؤه، ولكنه يظل فزَّاعة يلوّح بها رجال النظام من أجل تأبيد ريعهم".

أما في فرنسا، فبحسب رأيه، "يظل منظور لاجئي القوارب يثير القلق. على الرغم من أن ذلك لم يحدث خلال العشرية السوداء، التي تسببت في مقتل 200 ألف شخص، وعرفت خلالها الجزائر فراراً للأدمغة نحو فرنسا والدول الاسكندنافية وكندا. كما دفع فشل النظام، من خلال سياساته، مواطنين جزائريين للهجرة إلى أوروبا، بصفة قانونية، وغير قانونية".     

وأضاف أرنو دي لاغرانج "بوتفليقة، إذاً، لم يعد هو الحلّ في الجزائر، والشعار الذي كان صالحاً للحكم في البلاد، من قبل، والمتمثل في بوتفليقة أو الفوضى، لم يعد مجدياً، الآن، فقد أيقظ منظور عهدة خامسة وسوريالية للرئيس-الشبح الشارعَ الجزائري"، لذا فقد أصبح شعار المرحلة بحسب رأيه "بوتفليقة والفوضى". أما الشباب الجزائري "فلم تعد تخيفه فزّاعة الحرب الأهلية، فهو لم يعرف سوى الرئيس بوتفليقة وحاشيته".

ولفت دي لاغرانج الانتباه إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، التي كان يعتقد البعض أنها سلبية، انتفضت، اليوم.

ولا يزال النظام الجزائري يراهن، لحد الآن، على توقف الحراك، وعلى أن تمرّ الانتخابات، كما يشاء. ولكن، وكما تشدد افتتاحية "لوفيغارو"، "لا شيء يوحي بأن موجة الاحتجاجات لن تتحول إلى موجة كاسحة تدفع البلاد إلى الغموض، بل وإلى العنف".

بمعنى آخر، لا أحد يمكنه أن يتنبأ بمصير "الربيع الجزائري". ولكن الحكومة الفرنسية، كما يقول لاغرانج: "توجد في حالة يقَظَة نشيطة"، وهو ما يعني أنه إذا احتدمت الأزمة، فإن فرنسا تحاذر بأن تكون في "وضعية دبلوماسية محرجة".

ودون الوقوع في تنبؤات قياموية، شدد الصحافي الفرنسي على ضرورة أخذ هذه الحقيقة في الاعتبار، وهي حقيقة القرب بين البلدين، ما يجعله يختم بأن "التصدعات والاهتزازات الجزائرية ستسري تحت البحر المتوسط".

ولا شك في أن ثمة من يرى النظام الحالي في الجزائر مثل مركب يترنح وتجب مغادرته، الآن قبل الغد. وهو موقف الضابط الأسبق في "الجيش الوطني الجزائري" ورئيس المركز الثقافي الجزائري السابق في فرنسا والكاتب المعروف، ياسمينة خضرا.

فقد كشف الكاتب لصحيفة "لوباريزيان" أنه كان يأمُل انبثاق هذه الحركة، ولكنه لم يكن يتوقعها لأن الجزائريين "عوّدونا على كثير من التخلّي والتردد والاستقالات"، معبراً عن سعادته الحقيقية، لأن توقعاته كانت خاطئة.     

ووجه الكاتب الجزائري انتقادات حادة للنظام "الذي يواصل معاملة الشعب معاملة الصبيان"، و"لكن الشعب لم يعد يريد هذا النظام، كما أنه يرفض صدَقَاته. إنه شعب ذكي، تعرّض، بشكل خطير، لصدمة الإرهاب".


وحول مستقبل الحركة الشعبية، رأى خضرا أن كل شيء يصعب توقعه، خاصة مع غياب أي بديل سياسي للنظام. لكنه استدرك: "أنا لدي شغفٌ بالتاريخ، ولا أعرف مثالاً واحداً عن ديكتاتور أو إمبراطور وَاصَل حكمه وهو فاقدٌ لوعيه. ولم يُنتِجْ أيُّ نظام في العالَم مثلَ هذا العبَث. إلا في الجزائر".


ولأن الجيش متواطئ مع النظام، كما يقول ياسمينة خضرا فإن "الشعب هو من يستطيع تغيير الأشياء، وهو يعرف هذا الأمر".

الكل في فرنسا يريد رؤية حلٍّ سلمي قريب للأزمة في الجزائر، لأنّ تأزيم الوضع والانزلاق نحو أي عنف لن تَسْلم منهما الجزائر، والجيران، ومن بينهم فرنسا.