وبدا أن الجميع في العاصمة اللبنانية، في السرّ والعلن، يؤكد أن هذه التهديدات ليست مجرد كلام، لأسباب عدة، تبدأ من المكان الذي اختاره نتنياهو ليطلق منه تهديداته، أي من منبر الأمم المتحدة، وصولاً إلى الوضع في المنطقة، وليس آخراً ما سمع خلال الفترة الأخيرة في الأروقة الدولية، وما قيل أيضاً قبيل جلسة مجلس الأمن الدولي للتمديد لقوات "اليونيفيل" الشهر
الماضي، والدعوات الأميركية – الإسرائيلية لتوسيع مهامها، لتشمل المعابر البرّية مع سورية والمعابر البحرية والجوية.
عملياً، تأخر الردّ اللبناني لمدة أربعة أيام، بما أن تهديدات نتنياهو صدرت ليل الخميس الماضي. خلال هذه الفترة، كان الوفد اللبناني الرئاسي عائداً من نيويورك، وانكبت الدوائر الرسمية، إضافة الى التيارات السياسية، وخصوصاً "حزب الله"، على دراسة الخطاب وخلفياته، ومدى جدية تهديدات نتنياهو، وتلتها بحسب مصادر مطلعة جولة من الاتصالات شملت الرئاسات الثلاث والحزب، وأجمعت على جدية التهديدات وضرورة الردّ.
وبما أن نتنياهو اختار الأمم المتحدة لإطلاق تهديداته، فقد أوكل وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال، جبران باسيل، بالمهمة، فدعا إلى لقاء مع السفراء المعتمدين في لبنان، اليوم الاثنين، وأبلغهم أن ادعاءات إسرائيل بوجود مخازن أسلحة بالقرب من مطار بيروت الدولي عارية من الصحة تماماً، مشيراً إلى أن "إسرائيل لا تحترم المنظمات الدولية، ولا تنفذ القرارات الأممية، بل خرقت أكثر من 28 قراراً دولياً، كما خرقت هذا العام الأجواء والأراضي والبحر اللبناني 1417 مرة خلال ثمانية أشهر". كما شدد على احترام لبنان القرارت الدولية، من دون أن ينكر امتلاك الصواريخ المذكورة، مضيفاً: "نحن نحترم القرارت الدولية، لكننا لا نتقيد بالقوانين في ما يتعلق بحماية أرضنا ومواطنينا".
والقلق الموجود في الأروقة السياسية منذ إلقاء نتنياهو تهديداته، عبّر عنه باسيل بوضوح عندما أكد أن "إسرائيل تسعى لتبرير عدوان آخر على لبنان"، ملوحاً أو مهدداً الدول الغربية بورقة "وجود النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين". وكان سبق كلام باسيل، كلامٌ أوضح لرئيس مجلس النواب نبيه بري عبر الصحف المحلية، اعتبر فيه أن ما جاء على لسان نتنياهو "كلام حرب لا يجب المرور عليه مرور الكرام" و"نحن أمام وضع خطير، وليس مزحة"، خصوصاً أن حديث رئيس حكومة الاحتلال عن مطار بيروت، بحسب المصادر، يعني عودة واضحة لخطاب الربط بين الدولة اللبنانية و"حزب الله".
وبالرغم من أن التصريحات اللبنانية لم تشر إلى إيران إطلاقاً، لكن تصريحات نتنياهو وكذلك الصحافة العبرية، في المقابل، وضعت إيران أولاً، وبالتالي عاد مصطلح الحرب الشاملة الى الصدارة، وهو ما يفسر بحسب مصادر سياسية لبنانية مطلعة، أسباب القلق اللبناني، لأن أي حرب مقبلة قد لا تكون حرباً على صورة حرب تموز 2006، بل أوسع بكثير.
وفي هذا الإطار، تقول مصادر "العربي الجديد" إن استنفار الدولة اللبنانية برمتها يعكس تحديداً قلقاً من اهتزاز موازين القوى خلال الأعوام السبعة الأخيرة في المنطقة، بعدما كان الوضع القائم مضبوطاً في الجنوب اللبناني على وقع القرار رقم 1701 في العام 2006، وفي الجولان منذ العام 1973. وتلفت المصادر إلى أن هذا الاهتزاز سيفرض اشتباكات دائمة لإعادة فرض قواعد جديدة، خصوصاً مع دخول العامل الإيراني إلى سورية.
وبالرغم من أن الدولة اللبنانية تتعاطى مع التهديدات الإسرائيلية بجدية، وسط أفكار عدة تطرح للرد على إسرائيل ديبلوماسياً وسياسياً، وبالرغم أيضاً من جدية التهديدات، إلا أن البعض يرى أن أمور المنطقة لا تزال معقدة جداً، وخاضعة لتجاذب نفوذ إقليمي ودولي كبير، ولن يكون سهلاً على أي طرف فتح حرب شاملة، حتى ولو كانت إسرائيل، خصوصاً في ظلّ الحضور الروسي القوي في المنطقة، وتحديداً في سورية، وبعدما بات لاعباً رئيسياً. لكن ذلك كله لا يلغي حقيقة التنسيق الإسرائيلي – الأميركي، وبقاء كل الخيارات مفتوحة.