قطر تحاصر الحصار

06 اغسطس 2017
+ الخط -



في اللحظات التي تلت إعلان دول الحصار قطع العلاقات مع دولة قطر من قبل كل من السعودية والبحرين والإمارات ومصر، فجر الخامس من يونيو/حزيران الماضي، استبد الخوف والقلق بقطاع واسع في الخليج العربي من تداعيات الإعلان الذي جاء على هيئة حرب، فيما كانت الدوائر الموالية لصانعي قرار الحصار تحتفي على طريقتها، وكأنها حققت كل أهدافها وأحلامها دفعة واحدة، في انتظار إعلان النظام الحاكم في الدوحة الاستسلام ورفع الراية البيضاء، لكن الأخير فاجأ الجميع بقدرته الهائلة على امتصاص الاندفاع الهائج، وبالتالي أفقد أصحاب المبادرة متعة الفرجة عليه وهو يترنح على وقع قهقهاتهم، وبدا بكامل قواه ثابتاً في موقفه وموقعه، ومتزناً في لغته وخطابه.

لم تترك دول الحصار تهمة شاردة ولا واردة إلا وألصقتها بقطر وألحقتها بالقطريين، اتهمت الدوحة بموالاة إيران وإسرائيل ودعم المقاومة الفلسطينية والإخوان المسلمين والربيع العربي وجماعة الحوثي وتنظيمي "القاعدة" و"داعش" الإرهابيين! 

وظل موقف الدوحة الصامد يثير غضب دول الحصار التي أخذت تتخبط في كيل الاتهامات لقطر، تارة باسم الإرهاب، وتارة بحجة دعم القضية الفلسطينية، حتى قال جبير السعودية: "لقد طفح الكيل وعلى قطر أن توقف دعم حماس"، وجمعت تلك الدول كلما قدرت عليه في ثلاثة عشر مطلباً قالت إنه يجب على قطر تنفيذها بشكل عاجل، غير أن تلك المطالب أثارت حولها اعتراضات كثيرة من دول العالم والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير، خاصة وأن المطالب تضمنت إغلاق شبكة الجزيرة، الأمر الذي يعد انتهاكا صارخا لحقوق عشرات الملايين من المواطنين يرون في الجزيرة مصدراً مهماً للخبر والمعلومة والرأي والرأي الآخر.


ومع مرور الأيام دون أن تحقق دول الحصار ما كانت تصبو إليه، ظهرت قطر أكثر قوة وهي تتجاوز التحدي الاقتصادي ببدائل عديدة، وأثبتت أنهت تخلصت من جملة قيود سياسية واقتصادية، ما يعني أن الأبواب باتت مفتوحة لها أكثر من السابق، وفيما كانت قنوات دول الحصار تنتشي فرحا لأن "الأسواق القطرية خلت من السلع الغذائية، والناس يتضورون جوعا"، كان لسان حال القطريين ومقالهم: "الأمر ما نرى لا ما نسمع".

وحين أخفق الحصار في حشد الدول وتأليبها ضد قطر، كانت الدبلوماسية القطرية تجوب كبرى دول العالم واثقة الخطوة والخطاب، تشرح الموقف وتكشف الحالة، فاكتسبت الدوحة التأييد الرسمي والدعم الشعبي، سيما حين أخذت أوراق الحصار تتساقط الواحدة تلو الأخرى.

قال نظام السيسي إن قطر تدعم الإرهاب، وجاء تأكيد الفرضية السيسية على لسان حفتر، ذلكم العسكري العائد من قبره كلعنة تطارد ليبيا، وقال آخرون يشبهون السيسي وحفتر مثلما قالا وأكثر، لكن لم يصدر اتهام مماثل من دولة تحترم نفسها أو مسؤول يقدر مسؤوليته، حتى جاء تقرير الخارجية الأميركية ليقطع قول كل خطيب، إذ إنه وضع النقاط على الحروف، فلم تبادر وسائل إعلام الحصار للاحتفاء به لأنه كشف عن "مناجم الإرهاب" الحقيقي ومراكزه المالية.

وقبل ذلك ومعه وبعده، كانت الجزيرة، وما زالت تقوم بالدور الذي توقعته دول الحصار، أو لعلها لم تفعل شيئا سوى أنها رفعت الغطاء الذي كان يخفي سوءات الدول المحاصِرة، لتظهر عوراتهم مكشوفة على حقيقتها عارية من أي لباس، ومجردة من أدوات الزينة ومواد التجميل.

لم تفعل الجزيرة سوى أنها واصلت مهمتها في كشف الحقيقة، بعدما رفع الحصار عنها كلفة المجاملة، فوجدت نفسها متحررة من القيود التي كبلتها عقدين من الزمن، وباشرت الإشارة إلى الحقوق المنتهكة والجرائم والمؤامرات التي تتوارى خلف الأبراج.

بعد أيام من إعلان الحصار أطلق المواطنون في دول مجلس التعاون وبينها السعودية والإمارات والبحرين حملات التضامن مع دولة قطر والتنديد بالحصار والتصعيد، فسارعت تلك الدول لسن قوانين ولوائح تفرض أقصى العقوبات على كل من تسول له نفسه التضامن مع قطر، كما قامت الدول نفسها بوقف وحجب مواقع وقنوات قطرية، دون أن تفعل الأخيرة شيئا من ذلك، وبعدها يتساءل المواطنون في الخليج: من يا ترى يقبع خلف جدران الحصار؟ 

فيما بدأت المملكة تعلن عن خطوات جديدة في التقشف، وإجراءات مشددة على المقيمين فيها دفعت الآلاف منهم إلى المنافذ بحثا عن طريق العودة، أعلنت الدوحة منح المقيمين على أراضيها تسهيلات جديدة تصل إلى الحصول على بطاقة الإقامة الدائمة، ليبقى السؤال: من يحاصر الآخر؟

حين يظهر الموقف الرسمي لدول الحصار أسير التناقض والتخبط، ويبدو موقف الدوحة منسجما مع نفسه وثوابته وسيادته واستقلاله فإن ثمة ما يدعو إلى إعادة النظر في طرفي الحصار، من واقع أن الحصار يحاصر أصحابه ويجعلهم أسرى أوهام باطلة واتهامات ملفقة، سبقتها حملة شيطنة ثم قرصنة لم تلبث حتى انكشفت هي الأخرى، ليتأكد لكل من هو عاقل أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الحملة على قطر تضمر في ثناياها شروراً أخرى، وأن انتصار قطر يعني انتصار الإرادة والقيم.