لا شيء سوى اللون الأسود والدموع. مع ذلك، يبقى لكثيرين الصبر والأمل، علّهما ينتصران على مشاعر الإحباط ويحاولان انتزاع بسمات، وإن كانت شاحبة، في أيام العيد. في مصر، تفتقد عائلات أبناءها الموجودين في السجون منذ انقلاب الثالث من يوليو/تموز عام 2013. لم يعرف هؤلاء غير الحزن منذ ذلك الوقت، فلا يحلو عيد الفطر من دون أحبائهم. ويقول العدد الأكبر منهم إنهم لم يتذوقوا طعم الفرح والبهجة خلال شهر رمضان حتى، لأن عدداً كبيراً من أولادهم يقبعون في السجون.
تعدّ المطرية وعين شمس وألف مسكن وجسر السويس (شرق القاهرة) من أكثر المناطق التي تعرض أبناؤها للاعتقال. ووصل الأمر إلى منع الأهالي من زيارة المعتقلين وقضاء أول أيام العيد معهم في السجون، على غرار ما تفعله مصلحة السجون في وزارة الداخلية في مناسبات كهذه. وصنّفت مصلحة السجون بعض النزلاء كـ "إرهابيين"، مانعة الزيارة عنهم.
في السياق، تقول شيماء حسن، من منطقة المطرية، إنها ستفتقد لوالدها الذي كان ينظم رحلات إلى خارج القاهرة في العيد، لافتة إلى أن جُرمه هو كونه رجل دين. وتسأل: "متى سيعود إلى المنزل؟ حالُ أسرتي صار صعباً. كان والدي المعيل الوحيد لها". تضيف: "لن أنسى صورته وهو يعطينا المال عشية العيد لشراء الهدايا".
من جهته، يقول العم أحمد عبد الكريم، وهو موظف في عين شمس، إنه "لا حياة ولا عيد من دون ابني محمد"، مشيراً إلى أن "حياة الأسرة تحوّلت إلى جحيم بعد اعتقاله بتهمة المشاركة في تظاهرات. تخرّج من كلية التجارة ولا ذنب له". يتابع بأنه سيزوره في العيد بصحبة والدته وأشقائه، لكنه يخشى المنع في اللحظات الأخيرة، مشيراً إلى أن "والدته يمكن أن تموت في حال منعت من زيارة ابنها". ويختم حديثه قائلاً: "العيد هذا العام مُرّ"، واصفاً أيامه بـ "السوداء".
أما الطفل محمد كريم السيد (13عاماً)، وهو من منطقة ألف مسكن، فيستذكر تحضير كعك العيد والحلويات. يقول إن والده كان يشتري له الألعاب. لكن بعد اعتقاله، "تحوّلت حياتنا إلى كابوس". أما الوالدة، فتوضح: "كان نفسي يبقى معانا في العيد. عندي أمل على الرغم من أن هذا الكلام ليس منطقياً". يقاطعها الابن قائلاً: "نفتقد الشعور بالأمان"، مؤكداً أنه لن يخرج هذا العيد من المنزل.
تحاولُ زوجة المعتقل محمد شحاتة التخفيف عن أبنائها الصغار، حتى لا يشعروا بفقدان والدهم في العيد. اشترت لهم ملابس جديدة وكعك العيد، لكن هذه المظاهر لا تخفي الحزن والخوف الذي يشعر به أطفالها. تقول الابنة منّة محمد شحاتة، وهي في الصف الخامس الابتدائي، إن هذا أول عيد يمر عليها من دون والدها، مضيفة أنها فخورة به لأنه يدافع عن الحق، لكنها تفتقد وجوده "خصوصاً أنه كان يجعل للعيد طعماً مختلفاً". يجول بها على الأقارب والأهل ويعطيها "عيدية" ويشتري لها الألعاب، كمكافأة لها لنجاحها في المدرسة. هذا العام حصلت على مجموع 98.5 في المائة، لكنه لن يفرح معها. تتابع أن زيارته صعبة. تنتظر وأمها بالساعات
في الشمس الحارقة "وقد رفضت الشرطة أن نعطيه كعك العيد الذي يحب".
من جهتها، تسأل هدى ابنة المعتقل عبد الرحيم محمد عبد الرحيم: "يعني إيه عيد؟ البؤس الذي نعيش فيه جعل العيد مجرّد رفاهية بالنسبة إلينا. نتظاهر بالفرح والتكيّف مع الوضع لكننا بشر ولا يمكننا إخفاء الحزن في داخلنا. لا مكان للفرح في منزلنا". وعلى الرغم من أن هذا هو العيد الثاني الذي يمر عليهم من دونه، إلا أنهم شعروا بالعيد خلال العام الماضي، وخصوصاً أن الأمل بخروجه كان موجوداً. أكثر من ذلك، كان يُسمح لهم بزيارته، لكن الآن حُكم عليه بالإعدام في قضية أحداث مكتب الإرشاد وقضية غرفة عمليات رابعة. لم ترَ والدها منذ خمسة أشهر. ولم تعد تعرف عنه شيئاً منذ ثلاثة أشهر.
بدورها، تقول زهرة ربيع أبو عيد إن أقل تعبير يمكن أن يُقال لوصف حالنا هو: "جاء العيد من دون من هم لقلوبنا عيد". تضيف أن العيد عبارة عن "تجمع أسري وفرحة عائلية. وفي حال غياب الأخ والأب، من الطبيعي أن تعيب الفرحة". تشير إلى أن والدها اعتقل قبل نحو عام ونصف العام، وهو في طريقه إلى طبيب الأسنان، بتهمة حمل السلاح واستخدامه وإحداث الفوضى، علماً أنه كفيف. بعد هذه الحادثة، اعتقل شقيقها بتهمة التظاهر وقطع الطريق، بالإضافة إلى كل من عمها نعيم أبو عيد وابن خالها أحمد أبو الريش، وابن خالتها محمد الدسوقي أبو الريش. أيضاً، اعتقل خطيبها أحمد مسعد شبكة، بتهمة تنظيم أكبر خلية إرهابية في دمياط. وعلى الرغم من أن فترة سجنه قد تصل إلى 15 عاماً، هي مستعدة لانتظاره، مهما كثرت ضغوط المقرّبين من حولها.
اقرأ أيضاً: عيد بلا تحرّش في مصر