يشكل زجاج السيارات في السودان، باختلاف أشكالها وأحجامها، مساحة حرة للتعبير. وتحمل العبارات المكتوبة عادة، دلالات اجتماعية واقتصادية وسياسية، يغلب على بعضها الطابع الفكاهي.
وفي إحدى الملصقات الغريبة على زجاج إحدى سيارات التاكسي في الخرطوم، كتب السائق "7+7= 0". هي معادلة قد لا يفهمها إلاّ من كان خبيراً بالشأن السوداني، فهي تعبّر عن انتقاد السائق للحوار الشامل الذي دعت له الحكومة وكونت من أجله لجنة عرفت بلجنة الـ"7+7"، التي ضمت 7 أعضاء من الحكومة و7 من المعارضة. لكنّها تعثرت سريعاً وطالتها الانشقاقات، ليتم نعيها من قبل بعض مؤسسيها.
آخرون يدونون آيات وأحاديث دينية. كما تكثر العبارات التي "تقيهم العين والحسد". ومنهم كذلك، من يعبّر عن حالته النفسية في لحظة ما، كالفرح والحزن والإحساس بالخيانة والخذلان.
كما يعمد البعض لتدوين جُمل من أغانٍ لفنانين معروفين. بينما يقتبس غيرهم جملاً من الحياة العامة ليشير إلى حب ضائع وخيبة وخيانة وسواها. ومن هذه العبارات "حتى هدف حياتي طلع تسلّل"، و"غلطة عمري إني حبيتك "، و"اثنان ليس لهما أمان الفرامل والنسوان"، و"حفيان في زمن مليء بالجزم (الأحذية)".
ولا تقتصر الكتابات على المركبات العامة والخاصة، وتمتد أيضاً إلى الدراجات الهوائية والنارية، التي يميل أصحابها لوضع ملصقات ذات نكهة فكاهية. فمنهم من يشبّه دراجته الهوائية بسيارة "لاند كروزر" أو "هامر". كما يشتهر أحد أصحاب العربات التي تجرها الحمير في العاصمة بكتابته عليها "المدير العام".
من جهته، يقول سائق التاكسي سيد أحمد حسين (25 عاماً) إنّه من هواة الكتابة على زجاج السيارات. كما أنّه زبون دائم لدى الخطاطين. ويؤكد أنه عادة ما يميل لكتابة الجمل التي تعكس مواقف محددة مر بها. ويوضح: "مع وفاة والدي، كتبت على سيارتي سكالانص. وهي عبارة ظل والدي يرددها كلما رأى شيئاً يسرّه".
أما عبد الله (55 عاماً) الذي يقود سيارة تاكسي أيضاً، فيقول: "اشتريت مرة، تاكسي على زجاجها الخلفي عبارة كبيرة بالخط الأسود العريض، وهي الرهيب. لكنني أزلتها عندما أزعجتني، خصوصاً مع زج اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب. فقد بات الركاب يقرأونها الإرهابي، وينادون عليّ بها".
أما محمد (30 عاماً) فيقود باصاً عمومياً. ويقول: "عندما ارتبطت خطيبتي السابقة بشخص غني كتبت لها على زجاج المركبة: يا خائنة... وحتماً هي ستقرأها يوماً وتمقت نفسها".
في المقابل، يؤكد الخطاط يحيى محمد الحاج حسين أنّ أكثر زبائنه، من أصحاب المركبات العامة. ويشير إلى تطور في اختيار العبارات اليوم لتعكس ما هو أبعد من الحبّ والغيرة. ويقول: "هنالك اليوم ميل إلى عبارات تعكس قضايا اجتماعية، ومنها حصاد الغربة، التي يكتبها من أمضوا عمرهم في الخارج". كما يشير إلى أنّ البعض يفضل "عبارات لا معنى واضحاً لها، لكننا عادة ما نرضخ لرغبة الزبون رغم عدم اقتناعنا".
كذلك يقول الخطاط عبد الرحمن، إنّ أصحاب المركبات يختارون الجمل وفقاً للحالة المزاجية للشخص. وتتفاوت أسعار الملصقات ما بين 25 جنيهاً سودانياً (4 دولارات أميركية ونصف)، و40 (أكثر من 7 دولارات بقليل).
يتفاعل الكثير من المواطنين مع هذه العبارات، ويتندرون عليها. لكنّ القيادي في تحالف قوى المعارضة ساطع الحاج، يقول إنّه لا يلقي بالاً لتلك الكتابات وينظر لها، من باب الفكاهة فقط. ويوضح: "لا أعتبرها مؤثرة أو يمكن عبرها قياس نبض المجتمع وتفاعله".
أما أمين الدائرة القانونية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، الفاضل حاج سليمان فيرى أنّ الظاهرة يفترض أن تدرس بسبب مدلولاتها. ويقول: "عملياً نتعامل معها كعبارات مكتوبة في إطار التسلية، خصوصاً أنّها تكتب بطرق عشوائية لا تؤثر في الرأي العام". لكنّه يؤكد، في المقابل: "إذا تطورت إلى ظاهرة منظمة، فعندها بالإمكان تتبعها".
أما مستشار الطب النفسي علي بلدوا فيقول إنّ "الظاهرة ناتجة عن كبت المجتمع، في ظل عدم القدرة على التعبير بالصورة المطلوبة في البلاد، على المستويات الأسرية والاجتماعية وسواها". ويوضح: "عدم القدرة على تحقيق الأحلام وإبراز المقدرات الشخصية والانكسار والانزواء وكذلك فقدان لغة الحوار داخل المنزل وكبت الحوار خارجه فضلاً عن الروتين اليومي القاتل الذي يبعث على الملل والرتابة، يزيد من معدل الكدر النفسي وعدم التناغم الاجتماعي، ما يدفع الشخص للكتابة حول أمنياته وطموحاته ومخاوفه، على زجاج مركبته أو دراجته النارية".