قصور الثقافة: أزمة بنيوية وروبابيكيا

21 ديسمبر 2017
(واجهة "قصر الثقافة" في أسيوط)
+ الخط -

لا شك أن مصر لا تزال تتمتع ببنية تحتية مهمة في ما يتعلق بـقطاع الثقافة، حيث وفّرت الدولة منذ تأسيس الجمهورية، مخصصات مالية معتبرة لبناء شبكة "قصور الثقافة" ومكتبات عامة ومسارح في معظم المدن المصرية الكبيرة، إلا أن تلك المباني كما يبدو - وبعد مرور عقود على إنشائها - قد تحوّلت إلى مجرّد هياكل بلا روح وبلا أنشطة حقيقية، بل إن أكثر ما تنجح فيه هو إهدار ثروات القطاع، ذات الأهمية التراثية والتاريخية، من كتب ومقتنيات أثرية.

إحدى مظاهر هذا الإهدار الذي يتعرّض له تراث مصر الثقافي، يتمثل في "فضيحة" بيع أمهات الكتب التاريخية، لباعة الخردة أو ما يُعرف بـ"الروبابيكيا"، حيث تم التأكد من بيع حوالى 12 ألف نسخة من الكتب النادرة، من قصر الثقافة التابع لمحافظة الجيزة، في صفقة تورّط فيها مسؤولون ضمن هذه المؤسسة العامة.

مسلسل الفضيحة بدأ حين قرر بعض المسؤولين بيع هذا العدد المهول من الكتب النادرة لتجار الروبابيكيا ببضعة جنيهات للكيلوغرام الواحد! ولم تكن خيوط الفضيحة لتكتشف لولا تدخل إحدى العاملات بالقصر وإبلاغها عن الجريمة التي تستهدف تراث مصر الثقافي، الأمر الذي اضطر رئيس هيئة قصور الثقافة، أحمد عواض، إلى تحويل كل مسؤولي المؤسسة للتحقيق، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الصفقة!

فكيف تحوّلت قصور الثقافة من مؤسسات مسؤولة عن حماية التراث الثقافي إلى جهة متورّطة في إهداره بأبخس الأثمان؟! تحدّث عواض عن هذه القضية على هامش "مؤتمر أدباء مصر" الذي اختتم الأحد الماضي في مدينة شرم الشيخ، حيث قال أنه أُبلغ عن حادثة البيع من قبل إحدى العاملات، وأنه سيتخذ أقصى عقوبة ضد جميع المسؤولين الذين يثبت تورطهم، لافتاً إلى "أنه لن يسمح بالتستر على أي واقعة فساد مهما كانت النتائج أو الأسباب".

تصريح المسؤول الأول عن "قصور الثقافة" في مصر، وإن بدا حازماً، إلا أنه يقصر الأمر على قصر ثقافة الجيزة فحسب، في حين أن الإشكالية وفق تحليل المختصين تتعلق بأزمة بنيوية، في رؤية وتسيير هذه القصور التي تحوّلت إلى مجرّد مبان ومؤسسات عديمة الجدوى، في ظل انعدام أنشطة ثقافية حقيقية، وانتشار الفساد وروح اللامبالاة، بين قياداتها الإدارية.

في الأسبوع نفسه الذي صرّح فيه رئيس قصور الثقافة عن اتخاذ إجراءات إدارية وقانونية، لإعادة هيكلة القصور، والاهتمام بشكل خاص بالكتب، كان وزير الثقافة حلمي النمنم، شاهداً على حادثة تؤكد أن الأمر أوسع من حادثة معزولة أو عرضية، ففي زيارة تفقدية قادته إلى محافظة الأقصر، اضطر الوزير إلى إقالة مدير قصر ثقافة "أرمنت" ونائبه، نظراً لوقوفه على سوء حالة القصر وعدم وجود رفوف للكثير من الكتب المكدسة في المخازن بشكل فوضوي، مما يعرّضها للتلف والإهدار، فضلاً عن تكدّس بعضها بشكل غير منظم لا يساعد وصول الباحثين والقراء إليها.

في ظل ذلك، قد يكون السؤال الذي كان أَوْلى أن يطرح في "مؤتمر أدباء مصر": "ما جدوى الثقافة في بلد أضحت فيه نفائس كتبه تباع في سوق المواد القديمة ببضع جنيهات للكيلو الواحد؟".

المساهمون