قصص نحيلة

12 مارس 2015

عبد الوهاب: "تعالي نفني نفسينا غراماً" (مارس/1981/Getty)

+ الخط -
كأنها هي
لم أعرف ما ينبغي عليّ فعله. هل أكتفي بمحاولتي كتم الضحك الذي ينتابني بجنون، أم أتحرك لإبعاد الشاب عنها؟ كان الموقف مربكاً جداً في العيادة التي لم تكن وقتها مزدحمة بالرواد، كانت السيدة العجوز قد أخذت تصرخ فينا أن نبعد ذلك الشاب عنها، والشاب الذي بدا لنا محترماً جداً، كان منهاراً في حضنها من شدة البكاء، وكلما حاول تقبيل يديها أبعدتهما عنه وأخذت تحاول إبعاده عن قدميها اللتين انهال عليهما تقبيلاً، وهي لم تركله، ليس تأدباً، بل لأنها لم تكن تقوى على تحريك قدميها، وما جعلنا نتباطأ في التحرك لم يكن إلا صوته المختنق بالنشيج "أرجوكي يا حاجة سيبيني أبوس إيديكي.. إنتي أصلك شبه المرحومة أمي الخالق الناطق.. حضنها وحشني يا ست الكل".
----
ترجيع
زمان، كنت تحب عبد الوهاب، حين يغني "تعالي نفني نفسينا غراماً". ومع ذلك، كنت تنهال عليه تريقة مع أصدقائك، حين يقول "أرتل فيك أشعاري وأصغي إلى ترجيعكِ العذب الحنون"، وتسأل كيف لم يدرك عبد الوهاب، بذكائه الفني الحاد، ضرورة تغيير كلمة "ترجيع"، على الرغم من فصاحتها، لأن معناها الشعبي سيجعل من المستحيل الجمع بين الترجيع والحب في سياق واحد. بالطبع، لم يكن يخطر على بالك وقتها أنك ستحب وتتزوج وتنجب، وستشهد من صروف الحياة ومصاعب تربية الأبناء وتكاليف "فتح البيوت"، ما سيجعلك تجلس في صالة منزلك، تستمع إلى صوت ترجيعها ينبعث من الحمام، وأنت تقول لنفسك بصوت تملؤه الرهبة وقلة الحيلة "أنا في عرضك، يا رب، بلاش تطلع حامل اليومين دول بالذات".
----
حلول
أقول لها مشاكساً "بس الفايبر ده يا أمي بتاع شركة إسرائيلية، وبيتجسسوا على المكالمات اللي فيه". ثم أنتظر أن ترمي الموبايل على طول ذراعها، كما يليق بسيدةٍ لم تترك مظاهرة ضد إسرائيل إلا وشاركت فيها، بدءاً من أيام دراستها الجامعية وحتى المظاهرات التي شاركت فيها مع أبنائها في مدارسهم وجامعاتهم، لكن تفرق أبنائها في أصقاع الأرض كان قد أصابها بمرونة سياسية طارئة، فقالت بهدوء شديد، وكأنها لم تسمع مني ما يسوءها: "كويس إنك نبهتني عشان كل ما أكلم حد فيكو أبقى ألعن سنسفيل إسرائيل، في أول المكالمة وفي آخرها".
----
من دروس الطقس
كلّفه الأمر أياماً في المستشفى، وأسابيع في البيت، وكمّاً كبيراً من الدولارات، لكي يتعلم درساً بسيطاً: حين تتساقط الثلوج، لا تنظر أبداً إلى أعلى، لأن مشكلتك الحقيقية ستكون تحت قدميك.
----
رأسان في الحلال
كان جمالها لعنتها، وكان ضعفي أمام الجمال لعنتي، وكان توافق لعنتينا، لعنة أبنائنا.
----
لا حياء في الطب
ـ يا دكتور دوا الاكتئاب اللي غنت اديتهوني ده مبهدلني خالص، ومخليني ما أبطلش أكل
ـ خلاص خد معاه حباية من دوا سد الشهية
ـ بيخليني مصحصح طول اليوم
ـ خد قبل النوم حباية من المنوم
ـ بيخليني أطلع غازات طول الوقت
ـ خد حباية من أقراص الفحم
ـ للأسف، بتتفاعل مع كل الأدوية دي، فبتخليني هايج طول اليوم
ـ خد حباية من المهدئ اللي كتبتهولك
ـ بيخليني أحس بحرقان في عيني وأعيط بشكل مفاجئ
ـ كل ما ده يحصل حط نقطتين من القطرة اللي إديتها لك آخر مرة
ـ كل ما باحط منها بتدخل جوه مناخيري، وألاقي مناخيري بتنزل دم
ـ رش رشة من البخاخ اللي كتبت لك عليه من شهرين
ـ كل ما أرشه بيحصل لي إسهال، وآخر مرة كنت واقف في إشارة ميدان الجيزة تلات ساعات، وللأسف عملتها على روحي
ـ قبل ما تنزل من البيت ادهن فتحة الشرج بالدهان اللي اديتهولك، هيخليك تسيطر على عملية الإخراج
ـ المشكلة إنه بيخليني أفرك كتير وأنا قاعد، وده بيتفهم غلط من زمايلي
ـ خلاص خد الحقنة دي مرة كل يوم، مش هتحس بالفرك خالص
ـ إنت ناسي، يا دكتور، إني جربتها من ست شهور، جابت نتيجة فعلاً، بس مشكلتها إنها بتزود الاكتئاب، فبازود جرعة الدوا بتاعته، فبيخليني آكل كتير، فباضطر أزود حباية من دوا سد الشهية، فبيخليني مصحصح طول اليوم
ـ (..) أمك يا أخي
ـ ماله يا دكتور، تفتكر لو رجعت له مشاكلي هتتحل.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.