قصص محلية: اقتصاديات الفن وإشكاليات التمويل

11 يناير 2018
من التظاهرة
+ الخط -

"النظر للممارسة الفنية من زاوية التعليم يطرح أسئلة لا تُطرح في إطار الاهتمام بشكل الممارسة أو تاريخ تطوّرها، مثل السؤال عمّن يمكنهم أن يصبحوا فنانين؟ وأي نوع من التفكير يطرحه الفن في المجتمع بشكل عام؟ وهل يساهم الفن في تكوين فكر حر وناقد أم يحتفي بالسلطة، بالمهيمن، بالسائد؟". بهذه الكلمات تشرح الكاتبة والناقدة نور الصافوري الأفكار الرئيسية التي سعى مشروع "قصص محلية للفنون والتعلُّم" إلى طرحها للنقاش والحوار.

المشروع الذي أقيم الشهر الماضي في "مركز الصورة المعاصرة" في القاهرة تضمّن مجموعة ورش عمل ومعرضاً فنياً وحلقة نقاشية حول "اقتصادية الفنون" بهدف "الاشتباك مع السياقات المختلفة لتعليم الفنون، والنظر إلى تفاصيل تطبيقها، بداية من كيفية تنظيم مساحة التعلّم والعلاقات بين المشاركين/ات فيها، مروراً إلى البعد التاريخي الذي يظهر في مفهومنا كممارسين/ات عما هو ممكن ومتوقع داخل حقل تعليم الفن".

ضمن أيام التظاهرة عُرضت خمسة فيديوهات لأحاديث قصيرة مع مجموعة من ممارسي الفنون والبحث والتعلُّم حول الممارسات العملية في اقتصاديات الفنون والمعرفة، رصدت أنماطاً مختلفة ومتنوعة من الاقتصاديات الثقافية والفنية والتعليمية في مصر والمنطقة العربية.

الأحاديث التي أجرتها رنا النمر، تهدف إلى فتح نقاش موسّع حول الجانب الاقتصادي من العمل الفني، وفي إطار جلسة نقاشية مفتوحة مع الجمهور امتدّت على مدار ساعتين، طرحت العديد من الأسئلة حول الممارسات الفنية للباحثين والممارسات البحثية للفنانين، وكيف تؤثر الممارسات الاقتصادية على كل منهما، وإلى أي مدى يمكن للممارسات الاقتصادية أن تحدّ من الممارسة الفنية أو البحثية أو تكون داعماً ومشجعاً لها.

تقول النمر: "تعتبر الفيديوهات الخمسة نقطة بداية لفتح النقاش حول المواضيع المدرجة بها، وهذا عن طريق مونتاج مفتوح، يتيح إضافة مضمون جديد إلى متن الفيديوهات، لينتج عنه طبقة/ نسخة مونتاج جديدة تلي هذه النسخة. سوف يتم العمل على النسخة الجديدة وتحضير مضمون المعلومات والنماذج والأسئلة والحوارات الإضافية بها بطريقة جماعية من خلال ورش عمل".

تحظى نقاشات الممارسة الاقتصادية في مجالات الفنون والتعليم بسجال كبير في المنطقة العربية، فمن جهة يرى بعض الفنانين أن عملية الإنتاج ليست من شأنهم وأن عليهم التركيز في إنتاجهم الفني فقط، بينما يرى فنانون آخرون أن عملية الإنتاج جزء مهم وفاعل ومؤثر بصورة مباشرة في طبيعة العمل الفني لذلك من الضروري أن يكون الفنان فاعلاً ومؤثراً فيه.

ضمن هذا الإطار، طُرح موضوع "التمويل الجماعي" بوصفه أحد الممارسات الاقتصادية والإنتاجية البديلة، ورغم حالة الحماس والنجاح الذي حققته حملات وتجارب لدعم ألبومات فنية أو أفلام أو طباعة بعض الكتب، إلا أن أندريا طال؛ المديرة الفنية لـ"مركز الصورة المعاصر"، ركّزت على ضرورة تطوير هذه الممارسة والبحث عن أطر مختلفة عن السياق الحالي لما يحمله من تحدّيات تتعلق بالضغوط التي يمارسها الفنانون بشكل واع أو غير واع على معارفهم وأصدقائهم للتبرّع لهم، كذلك لعدم استدامة اقتصادية التمويل الجماعي.

ومن جانبها، تحدّثت الفنانة والمترجمة راوية صادق عن تجربتها مع زوجها رفعت سلام وشعراء قصيدة النثر في سبعينيات القرن الماضي، حين كان شعراء قصيدة النثر يشعرون بالرفض والعزلة فقرّروا إصدار عدد من المجلات عبر التمويل الجماعي منها مجلتي "إضاءات 77" و"كتابات"، وأوضحت صادق أن هذه المجلات ساعدت في فتح آفاق جديدة لتيار كبير من الشعراء، لكن لم يُكتب لها الاستمرار طويلاً.

حظي التعليم، هو الآخر، بمساحة كبيرة من النقاش في الجلسة الحوارية، وطُرحت العديد من الأسئلة حول طرق التعليم البديلة، سواء في الفنون أو كافة المجالات، ومن يملك حق التعلّم؟ وكيف تحوّلت الشهادة الدراسية إلى معيار وقيمة وسلطة في كثير من الأحيان؟

وخلال هذا النقاش عُرضت تجربة ريم سعد، أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة الأميركية، وانحيازها لفكرة التعليم الحر، من خلال مشروعها "سكة المعارف" وهو مشروع للتعلّم قائم على قراءات متنوّعة في مجال العلوم الاجتماعية، يقام بالتعاون مع جمعية النهضة العلمية والثقافية بالقاهرة ويتاح لجميع الراغبين في التعلّم الاشتراك فيه مجاناً.

وتحدّث عاطف رستم، أحد مُسيّري البرامج التعليمية، عن تجربته مع التعليم البديل من خلال ثلاثة محاور أحدها شخصي حيث ترك وظيفته وبدأ في التعلم واكتساب مهارات جديدة بعيداً عن سلطة المنظومة التعليمية التقليدية، والثاني خاص بأسرته من خلال الاعتماد على طريقة التعليم المنزلي لطفلته، أما المحور الثالث فمرتبط بالمجتمع من خلال العمل على إيجاد مساحات متنوّعة لتبادل المعرفة وللتعلم بعيداً عن السياق الرسمي.

من جانبها، أوضحت رنا النمر في ختام جلسة "النقاش المفتوح" أن كل هذه المحاولات والآراء المتنوعة، تساعد على تطوير الممارسة الفنية والتعليمية، وعلى التفكير في مدى تأثير البعد الاقتصادي على الفنانين والممارسين للتعلم بصوره المختلفة، وأضافت: "أتمنى في المراحل المقبلة، أن نستمر في مشاركة تفاصيل ممارساتنا الفنية والتعليمية في حلقات نقاش وورش عمل، نضع من خلالها تصوّرات جديدة لسبل مناسبة للتعاون والمساندة والاستدامة".

دلالات