قصص فتيات لمع نجمهن وبرعن وحصدن الألقاب والجوائز، وصرن ممثلات لبلدانهن في العالم، أو يسرن على هذا الدرب. قصص لم يكن بعضها سهلاً بل مليئا بالعثرات والعوائق، لكن القدرات الذاتية مع التصميم على عدم الاستسلام قادهن إلى النجاح. نعرض نماذج لبطلات عالميات بالشطرنج من أوغندا وكينيا، ويجتهدن في تدريب غيرهن من الناشئات في مدارس متخصصة باللعبة، ويحلمن بحياة أفضل.
الأوغندية فيونا موتيسي
نالت لاعبة الشطرنج الأوغندية فيونا موتيسي، شهرة عالمية ورسخها لاحقاً فيلم ديزني الصادر عام 2016 بعنوان "ملكة كاتوي".
نشأت فيونا في كاتوي، أكبر الأحياء الفقيرة في العاصمة الأوغندية كمبالا. توفي والدها عندما كانت طفلة صغيرة، وفي سن مبكرة اضطرت هي وإخوتها لبيع الذرة في الشارع بدلاً من الذهاب إلى المدرسة. وفي التاسعة من عمرها، تعرفت على ناد للشطرنج في الحيّ. وتعلمت قواعد اللعبة ليس حباً بها في البداية، بل لأن النادي كان يقدم وجبة مجانية لرواده. لكنها ما لبثت أن أتقنتها وصارت تثبت جدارتها بالفوز على من يباريها.
— 1A (@1a) ١٦ أبريل ٢٠١٧ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
تفوقت على الكبار والصغار، وتغلبت على كل رواد النادي بدون استثناء بمن فيهم مدربها، بحسب موقع Wbur الأميركي، الذي نشر مقابلة معها مطلع العام الجاري. وقالت فيونا إنها منذ ذلك الوقت لم تعد بحاجة لمقاتلة الآخرين بقبضتها، وإنما تنازلهم بالشطرنج، بالفرسان والبيادق.
تزوجت فيونا وهي في السادسة عشرة من عمرها، وولدت ابنتها وهي في السابعة عشرة. وقالت "الفتاة في مجتمعنا ليست شيئاً، لا تذهب للمدرسة مثل الفتيان، وتبقى في البيت، إنها كاللعنة". ورغم الزواج والولادة كانت ترى أن الشطرنج وحده سيساعدها على كسر تلك اللعنة، خصوصاً أنها فازت على كل الفتيان الذين بارزتهم في اللعبة بمن فيهم رئيس النادي.
— David Llada ♞ (@davidllada) ٢٨ ديسمبر ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
بدأت فيونا تشارك في المسابقات الأكبر، وصارت تمثل أوغندا في البطولات الدولية. ومع المزيد من النجاح بدأت حياتها تتغير. حصلت على منحة دراسية مكنتها من العودة إلى المدرسة. كما أنها جذبت انتباه الإعلامي الرياضي في موقع ESPN، تيم كروثر الذي أصدر كتاباً عنها. استطاعت فيونا من المال الذي حصلت عليه من الكتاب أن تخرج عائلتها من كاتوي، نحو مكان أفضل للعيش وأكثر أماناً.
أصبحت بطلة أوغندا في العام الذي ولدت فيه ابنتها، لكنها كانت تطمح لوضع أفضل باللعبة وفي حياتها المعيشية أيضاً. وتحسنت ظروفها المادية فعلاً عندما قررت شركة ديزني تحويل الكتاب إلى فيلم سينمائي بعنوان "ملكة كاتوي".
وها هي فيونا تتابع دراستها الجامعية في سياتل في ولاية واشنطن الأميركية بعد نيلها منحة، لكنها تقول إن لعبة الشطرنج فتحت لها الأبواب.
— MU African Hub (@MUAISHub) ٢٤ سبتمبر ٢٠١٨ " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
الأوغندية غلوريا نانسوبوغا
كانت لاعبة الشطرنج الأوغندية، غلوريا نانسوبوغا (17 عاماً) تستعد لامتحانات القبول للجامعة، لذلك لم يرشحها مدربها للمشاركة في منافسات أولمبياد الشطرنج، التي أقيمت في أكتوبر/تشرين الأول 2018 في جورجيا. لكن الحظ كان لها بالمرصاد حين انسحب أحد لاعبي المنتخب الوطني للشطرنج، فانضمت للفريق في اللحظات الأخيرة.
فازت غلوريا بلقبين في الأولمبياد، مسجلة سبقاً لم يحققه أي لاعب شطرنج أوغندي من قبل على الإطلاق، بحسب صحيفة "كوارتز أفريكا". وقالت للصحيفة: "في لعبتي الأخيرة، كنت بحاجة للتعادل لأضمن الفوز. كان خصمي يحمل لقب "أستاذ دولي" في الشطرنج. كنت خائفة ولم أكن أظن أن بإمكاني تحقيق التعادل أمام حامل لقب دولي". لم تكن غلوريا تحمل أي لقب باللعبة قبل تلك البطولة.
غلوريا باتت الآن حاملة لقب ماستر أي أستاذ من منظمة الشطرنج العالمية FIDE. وتتدرج الألقاب بلعبة الشطرنج من أستاذ مرشح، إلى أستاذ اتحادي، يليه أستاذ دولي، ثم أستاذ كبير.
وتحمل غلوريا نانسوبوغا الآن لقب أستاذ اتحادي باللعبة من منظمة الشطرنج العالمية، وصاحبة المركز الثالث في الاتحاد النسائي الدولي للشطرنج. وبدأت تتدرب في سن الرابعة، تحت إشراف مدربها الشخصي ومعلم الشطرنج في المدرسة، ريتشارد كاكاندي. وتفوق قدرات غلوريا باللعبة مواطنتها فيونا موتيسي التي نالت شهرتها بعد تحويل قصتها إلى فيلم سينمائي من إنتاج ديزني بعنوان "ملكة كاتوي"، كما أنها كانت تدربها أيضاً.
— This Is Africa (@ThisIsAfricaTIA) October 12, 2018 " style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
|
الأوغندية إيف آموكو
من هي اللاعبة الأوغندية إيف آموكو، حائزة لقب أستاذ اتحادي في الشطرنج، لكنها انهزمت أمام مواطنتها غلوريا نانسوبوغا في عام 2015؟
إنها من أوائل لاعبات الشطرنج في أوغندا اللاتي حصلن على ألقاب ضمن تصنيفات النساء. وحجزت لاسمها مكاناً معروفاً في اللعبة على مستوى العالم. حصدت في أولمبياد الشطرنج العالمي الحادي والأربعين عام 2014 في ترومسو، النرويج، لقب أستاذ اتحادي، وكانت يومها في السابعة والعشرين من عمرها، وفازت بست مباريات من أصل تسع. لكنها في العام التالي خسرته أمام مواطنتها نانسوبوغا التي لم تكن تتجاوز السابعة عشرة من عمرها في ذلك الوقت.
سجلت فوزها الأخير في بطولة أفريقيا المفتوحة للسيدات بـ7.5 نقاط من تسع، والتي أقيمت في مومباسا في كينيا في مارس/آذار 2019. وإلى جانب الشطرنج تمارس إيف المحاماة بعد تخرجها من كلية الحقوق في كامبالا.
الكينية سارة مومانيي
إحدى بطلات الشطرنج الأفريقيات، الفتاة الكينية سارة مومانيي (13 عاماً)، فازت بالبطولة الوطنية للشطرنج للعام الثاني على التوالي، ما لفت الأنظار نحوها عالمياً، وباتت تتلقى الدعوات للمباريات القارّية والدولية، وقد تكون أبعد تلك الدعوات جغرافياً عن بلادها من الصين.
لكن الواقع الذي تعيشه سارة في أفقر أحياء العاصمة نيروبي يجبرها على رفض الدعوات بسبب "بيروقراطية الحكومة الكينية الخانقة"، وفقاً لما قالته مدربتها جوزفت أويلا، لصحيفة "واشنطن بوست". والأمر بكل أسف يعود إلى عدم تسجيلها في دوائر النفوس عند ولادتها، ما يعني أنها لا تملك أوراقا ثبوتية تصرح عنها وتؤكد هويتها، وبالتالي لن تتمكن من استخراج جواز سفر يخولها تلبية الدعوات وتمثيل بلدها في الخارج، ناهيك عن عدم استفادتها من الخدمات العامة في بلادها.
قدرات سارة الذهنية تظهرها الميداليات وشهادات التقدير المهملة في كوخها حيث تعيش مع جدتها في حيّ موكورو كوا نجينغا، الذي يضم نحو 100 ألف شخص، ويعتبر موطناً لعصابات الدعارة وأعمال العنف وتفشي الأمراض والأوبئة، كما تهدد الحكومة بهدمه ما يزعزع حياة ومستقر سكانه. لكن الفقر وحالة الجهل السائدة بين الناس، تؤثر على سارة وبدأت تعيق تطورها وإمكانية الخروج من موطنها نحو العالمية.
وأشارت مديرة إدارة خدمات التسجيل المدني في الحكومة الكينية، جانيت موشيرو، للصحيفة إلى أنه من المستحيل معرفة عدد الكينيين الذين لا يحملون وثائق رسمية، لكن عددهم بالملايين، والتخمينات تشير إلى أن نحو 35 في المائة من سكان كينيا ليس لديهم شهادات ميلاد. وقالت: "المشكلة الأكبر لدينا هي قلة الوعي لدى الآباء والأمهات. إنهم لا يعرفون أن شهادة الميلاد ضرورية للوصول إلى الخدمات الحكومية".
جدة سارة، كريستين كيباجيندي، تؤمن بقدرات حفيدتها، وقالت "عقلها سيكون بطاقة سفرها خارج موكورو وخارج كينيا أيضاً". وأخبرت الصحيفة أنها تسعى بكل الطرق للحصول على شهادة ميلاد لصغيرتها، ومنها محاولة تسجيلها على اسمها، لغياب والديها عن حياتها، وهذا مكشوف لفارق العمل بينهما. أو إجراء عملية تبن قانونية وهذا أمامه مشوار قانوني طويل يمتد لسنوات ويكلف مبالغ مالية كبيرة.
وأشارت الجدة إلى أن ابنتها، والدة سارة، كانت مدمنة على الكحول وتعاني من مرض السل، وحاولت بيع سارة وهي لا تزال طفلة كي تشتري المشروب. كما أن حفيدتها ولدت في المنزل وليس في المستشفى مثل الملايين غيرها، وهذا حرمها من القسيمة التي تمنحها المستشفيات للمواليد الجدد عادة، وهي نوع من الإثبات قد يسهل استخراج بطاقة الهوية.
سارة تحلم بأن تصبح طبيبة جراحة، إلى جانب هوايتها، لكن الجمعية الخيرية التي تكفلت بتعليمها في المدرسة، لن يكون بمقدورها تحمل كلفة دراستها الجامعية. تبدو الطرق مسدودة أمام الفتاة الموهوبة، التي لا تلقى أي دعم من حكومتها، خصوصاً أن هدر الوقت ليس في صالحها أبداً، فبعد أشهر قليلة تبدأ بطولة الشباب الأفارقة بالشطرنج وسارة تلقت الدعوة للمشاركة ولكن هل من حل؟
تشير الصحيفة إلى مرآة صغيرة لها إطار خشبي علقتها سارة في كوخها وعليها عبارة: "لا أستسلم أبداً".