اعتاد العالم في السنوات الأخيرة ربط تعريف "المهاجرين" و"اللاجئين" بالدول الشرق أوسطية والأفريقية والآسيوية، والتي دائماً ما تعتبر أوروبا وجهتها الأساسية. غير أنه في الشهر الأخير، بدأ التعريف بشمول المهاجرين من أميركا الوسطى، الذين اختار أكثر من 7 آلاف منهم، عبور المكسيك سيراً على الأقدام وصولاً إلى الولايات المتحدة، في خطوة غير تقليدية، لكنها أثارت قلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأعضاء حزبه الجمهوري، لدرجة إعلانه نشر الجيش على الحدود الأميركية مع المكسيك، لمنع القافلة من اختراقها، خصوصاً أن دخولها يعني مناقضة ترامب لشعاراته المناوئة للمهاجرين، وللجدار مع المكسيك الذي بدأ ببنائه في محطات محددة، بعد تأمينه 1.6 مليار دولار من الكونغرس، من أصل 25 مليارا.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، في تقرير لها حول القافلة أن "المشاركين اعتمدوا على مساعدة السكان المحليين أثناء سفرهم إلى الشمال. وقام قادة المدن والولاية بتنظيم ملاجئ وخيام طبية. وقدمت الكنيسة والجماعات المدنية أواني الطعام، مع أطباق التامال والأرز والفاصوليا، ومعكرونة السباغيتي، وفي إحدى المدن، تم طبخ بودينغ الأرز في أوان ضخمة فوق نيران الخشب. وتم توزيع المياه على المشاركين، غالبا في أكياس بلاستيكية صغيرة".
وكشفت أن "صحة المشاركين في القافلة تدهورت مع ذلك. ولاحظت جماعات المعونة المحلية ارتفاعاً في حالات الإصابة بالتهابات باطن الجفن، وأمراض الجهاز التنفسي، والحمى والإسهال. وفي ماباستيبك بالمكسيك، تم علاج أكثر من 4400 شخص في الخيم الطبية وفقاً لما ذكره طبيب في الخدمات الصحية بالمدينة. ويقول العاملون في المجال الطبي إن الأمراض الأكثر شيوعاً هي الجفاف وحروق الشمس والبثور وتورم القدمين من المشي عشرات الأميال يومياً في أحذية خفيفة أو واهية". وفي ظلّ قطع المشاركين مسافة نحو 25 إلى 30 كيلومتراً يومياً، فإن "بعض المخاوف سرعان ما ظهرت"، وفقاً لـ"نيويورك تايمز"، فقد "تسبب شائعة تقول بإن رجالاً يختطفون الأطفال من الحشد في إحدى البلدات في إبقاء الناس مستيقظين طوال الليل لحراسة العائلات. وأدت التكهنات بأنه يجري توجيه المهاجرين إلى مجمع رياضي في هويكستلا بالمكسيك لكي يتم تسليمهم إلى السلطات، إلى فرار الناس من القافلة بشكل جماعي".
مع ذلك، فإن المكسيكيين لم يوقفوا القافلة، بل اقتصر دور الشرطة المكسيكية على حماية المهاجرين، ومحاولة "إقناعهم باللجوء إلى المكسيك". وهو ما دفع ترامب إلى القول إنهم "لن يدخلوا الولايات المتحدة"، في ظلّ إعلان واشنطن إرسال نحو 5200 جندي إلى الحدود، وهو عدد أكثر من ضعف عدد القوات المنتشرة في سورية لمقاتلة تنظيم "داعش". وقال رئيس القيادة الشمالية في الجيش الأميركي الجنرال تيرانس أوشوغنيسي للصحافيين "بحلول نهاية الأسبوع سننشر أكثر من 5200 جندي على الحدود الجنوبية الغربية". وصرح بأن "هذه القوة ستركّز على تشديد الحماية على المعابر الحدودية والمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى ما تقوم به وحدات الهندسة من بناء سياجات مؤقتة". وسترسل وزارة الدفاع (البنتاغون) أيضاً شرطة عسكرية وثلاث مروحيات تحمل أجهزة استشعار متطورة وأجهزة رؤية ليلية. وعلى الرغم من أن الجنود لا يقومون بمهمات مباشرة لفرض القانون ويتركز عملهم على الدعم، إلا أنه سيتم نشرهم بكامل أسلحتهم، وفق مسؤولين.
في الحسابات، فإن ترامب الذي أعاد النظر باتفاقية "نافتا" (اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية)، التي تضمّ الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، فتح من حيث يدري أو لا يدري باباً للتفاوض من جديد بالنسبة للمكسيكيين، الذين يسعون في مكان ما، للرد على البيت الأبيض، في شأن الاتفاقية وفي مشروع بناء الجدار الحدودي بين المكسيك والولايات المتحدة.
منهكون، ومتعبون، ومرضى، هكذا بدا أفراد القافلة، التي لا تشكّل خطراً أمنياً على الأميركيين، كما أن عددهم، سواء 5 آلاف أو 15 ألف، يعتبر صغيراً قياساً على واقع أن سلطات الجمارك وحماية الحدود الأميركية احتجزت نحو 396.579 شخصاً عبروا الحدود الجنوبية مع المكسيك بشكل غير قانوني بين أكتوبر 2017 وسبتمبر/أيلول 2018.
الأهم أن هرب هؤلاء سيستمرّ، سواء سمحت الولايات المتحدة بدخولهم أم لا، وسواء عرضت عليهم المكسيك اللجوء في أراضيها أم لم تعرض، ذلك أن العنف الداخلي ونسبة الجرائم المرتفعة وعدم وجود حلول أمنية واقتصادية فعلية، تدفع الناس للهروب من هذه البيئة. ففي تقرير لشبكة "أن بي سي" الأميركية، فإن "الهاربين ممتعضون من تزايد العنف الفردي في بلادهم، ففي الهندوراس مثلاً ظلّت نسبة 91 جريمة ضد كل 100 ألف مواطن سنوياً سائدة لسنوات طويلة، قبل تراجعها إلى 42.3 جريمة لكل 100 ألف مواطن". وأضافت القناة أن "إحدى الأمهات اللواتي وصلن إلى تكساس الأميركية أخيراً، كشفت أنها لم تفكر بتاتا بالرحيل من الهندوراس، إلا بفعل تزايد الجريمة المنظمة".