هذا ما يقوله أبو محمد الحتّاني، المواطن من مدينة دوما في غوطة دمشق المحاصرة، والذي يقف كل يوم على أطلال منزله المدمر. تحت هذا المنزل دُفِنَ سبعة من أفراد عائلته، من بينهم جميع أطفاله الخمسة مع أمهم وخالهم، ولم يتمكن الدفاع المدني حتى اليوم من سحب جثامينهم نتيجة تهدم المبنى بشكل كامل.
يقول أبو محمد لـ"العربي الجديد"، إنّ العديد من البراميل المتفجرة ألقاها طيران النظام السوري فوق منزله والمنازل المجاورة فدمّرت كل شيء وحوّلت قاطنيها إلى أشلاء. يشير بيده قبل أن يضيف: "هذا ما تبقى من المنزل. كومة من الدمار تحتها سبعة من أفراد عائلتي لم نتمكن حتى الآن من انتشالهم".
لا يستطيع أبو محمد وصف ألمه وشعوره عندما عاد ولم يجد منزله في مكانه. ما زالت علبة الدواء التي ذهب لإحضارها مرميةً قرب ركام المنزل. كلما عاد إلى المكان يمسكها ويتذكر كيف أن هذه العلبة كانت سبباً في إنقاذ حياته، وحرمته من مصير عائلته.
يقول: "ما زالوا هنا تحت الركام. لم يتمكن الدفاع المدني من انتشالهم. حاولنا البحث كثيراً ولم نجدهم. عندما عدت كانت أشلاء أبناء الجيران في كل مكان، لكننا لم نجد أشلاء أولادي. كان الناس يصرخون. لم يكن هناك جرحى، قتلى فقط". يضيف أبو محمد: "لم يتبق لدي أحد ولم يتبق لدي أي شيء. لماذا لا يشعرون بألمنا؟ ما ذنب هؤلاء الأطفال كي يُقصفوا؟ ماذا فعلوا لهم؟ لم يتبق شيء في الغوطة، كلها دمار وخراب. الألم كبير. الجوع كبير. لكن الخذلان أكبر".
بعدما خسر عائلته وبيته ينام أبو محمد يوماً في قبو بناء مجاور، وينام يوماً آخر في مسجد ما زال قائماً في وجه القصف. أمضى أياماً كاملة من دون طعام، بسبب عدم القدرة على شرائه. ولم يعد يملك سوى الثياب التي يلبسها. مع ذلك، يصرّ على البقاء في دوما ولن يتركها أبداً.
يضيف لـ"العربي الجديد": "لم يعد هناك شيء يمكن المفاوضة عليه. بالنسبة لي لم يعد لدي سوى روحي، سأدفعها ولن أخرج من دوما. ليقصفوا ويدمروا، فليس أمامنا سوى الحرب. الصدمة كبيرة جداً لكنها ليست عليّ فقط. إنها على كل دوما وعلى كل السوريين".
يتابع حديثه متذكراً ما جرى: "كانوا هنا. أطفال صغار يلعبون بالكرة. ما ذنبهم كي يقتلوا؟ ما ذنبي أنا كي آتي إلى منزلي ولا أجده، وأبحث عن زوجتي وأطفالي وخالي (خال الأطفال) ولا أجدهم؟ هؤلاء أطفال لم يروا شيئاً جميلاً في طفولتهم. لم يأكلوا الحلوى ولم يشربوا الحليب ولم يلعبوا بالأراجيح".
كل الألعاب والذكريات ومحتويات المنزل ما زالت تحت الركام إلى جانب الأحبة. ليس هناك ألبوم صور يقلّبه أبو محمد ليرى وجوه أطفاله. لم يعرف أطفاله جرس المدرسة وضحكات الملعب والمقاعد الخشبية فأكبرهم فتح عينيه داخل القصف والحصار.
فقد الكثيرون من سكان الغوطة الشرقية في دوما وغيرها من البلدات والمدن عائلاتهم بشكل كامل، أو معظم أفراد عائلاتهم، بسبب الغارات الجوية المكثفة والقصف الصاروخي والمدفعي من قوات النظام على الغوطة.
وتعمدت قوات النظام مدعومة بالطيران الروسي استهداف الملاجئ ومنازل المدنيين، مستخدمة أسلحة تدمير شامل، قادرة على اختراق التحصينات العسكرية وليس فقط ملاجئ المدنيين ومنازلهم، وهناك الكثير ممن ما زالت جثثهم تحت الأنقاض.
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من الأهالي في دوما وعربين وزملكا وحرستا وعين ترما وغيرها من مدن الغوطة الشرقية لم يتمكنوا من دفن أبنائهم في المقابر، ولم يتمكنوا من الخروج في جنازة أو إقامة مجالس العزاء كما كانت تجري العادة في المنطقة.
يتحدث أبو محمد عن القصف الذي تعرضت له دوما بالكلور السام والنابالم الحارق والفوسفور والقنابل العنقودية، مؤكداً أن "الرجال في الغوطة لم يعرفوا طعم النوم منذ أسابيع فكيف بالأطفال والنساء. لم يكن لديهم وقت للراحة أبداً، لأن الذين يقصفون الغوطة لو كانوا بشراً لأخذوا قسطاً من الراحة".
ودفع القصف الجوي المكثف من النظام على الغوطة الشرقية إلى جانب الجوع والمرض وانعدام أدنى مقومات الحياة بآلاف المدنيين إلى الانتقال من المنطقة المحاصرة إلى مناطق سيطرة النظام في محيط الغوطة، على الرغم من المصير المجهول الذي ينتظر المدنيين في مناطق سيطرة النظام وخاصة الرجال والشباب.