يعتقد الجميع أن مواجهة "ديربي" مدينة مدريد هي مباراة بين فريق الأغنياء وفريق الفقراء، وهذا الأمر الذي تناقلته وسائل الإعلام الإسبانية على مر التاريخ وأصبح راسخاً في أذهان الجميع وخصوصاً في العاصمة مدريد، لكن الحقيقة تكشف أن الأمر يتعدى مواجهة فقراء وأغنياء في العاصمة الإسبانية.
يواجه ريال مدريد خصمه اللدود أتلتيكو مدريد في "ديربي" العاصمة الإسبانية على أرض ملعب "سانتياغو برنابيو" في الجولة الـ 31 من بطولة الدوري الإسباني، المواجهة التي أصبحت في السنوات الأخيرة توازي أهمية "الكلاسيكو" وذلك بسبب وصول الفريقين إلى نهائي دوري الأبطال مرتين أعوام 2014 و2016، وقصة هذه المباراة بدأت منذ زمن بعيد وهي أكثر من مجرد مباراة كرة قدم.
النشأة والبداية
نشأ فريق أتلتيكو مدريد في عام 1903 عندما أسسه ثلاثة طلاب من إقليم الباسك مقيمين في العاصمة الإسبانية، وكان الاسم آنذاك أتلتيك فقط، وكان يتبع لأتلتيك بلباو في بداية الأمر، إلا أنه تحرر في عام 1920 وأصبح فريقاً منفصلاً ثم انضم إلى "الليغا" في عام 1928.
ولعبت الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) دوراً كبيراً في تغيير صورة أندية كرة القدم في العاصمة مدريد، حيثُ اندمج فريق مكون من القوة الجوية الإسبانية وفريق أتلتيك وتلقى الدعم الكبير من الحكومة آنذاك. فاز الفريق بلقب الدوري أعوام 1940و1941، وبدأ الفريق المدعوم من الدولة يظهر بقوة في العاصمة، ليجبره الجنرال فرانكو على تغيير اسمه والخروج من عباءة إقليم "الباسك"، ليبدأ بعدها عهد "أتلتيكو مدريد".
ويعتقد الجميع أن اسم الجنرال فرانكو مرتبط فقط بريال مدريد المعروف بالنادي "الملكي"، لكن الحقيقة تكشف أن ولاء فرانكو كان لأتلتيكو مدريد فقط، ولم يكن الشخص النافذ الوحيد الذي دعم الفريق الملكي، بل إن الملك ألفونسو كان الراعي الأول لبداية مشروع ريال مدريد في عام 1920، الفريق الذي أصبح بعد ذلك طفل فرانكو المُدلل.
بدل فرانكو ولاءه من أتلتيكو إلى ريال مدريد، ربما بسبب الإنجازات القارية والمحلية التي حققها النادي "الملكي" في حقبة الخمسينيات ومن بينها خمسة ألقاب لدوري أبطال أوروبا. بالنسبة لفرانكو، ريال مدريد أصبح مركز السلطة وعظمة إسبانيا، ليحاول فرانكو فرض سيطرته على أوروبا من خلال ريال مدريد في تلك الفترة.
جماهير اليمين المتطرف
أصبح ريال مدريد بقيادة فرانكو الفريق الذي لا يُقهر، والنظام الفاشي الذي اتبعه الجنرال خلق مشاكل كبيرة في العاصمة وخصوصاً في فريق أتلتيكو مدريد، الذي وإن كان في ذلك الوقت بعيدا كل البُعد عن اليمين المتطرف في إسبانيا، إلا أن جماهير "أتلتي" اتجهت نحو العصيان والثورة.
تحول المشهد مع الوقت إلى شكل من أشكال الثورة في مدرجات ملعب "فيثنتي كالديرون"، إذ انتشرت لوحات "الغرافيتي" المعارض لفرانكو على الجدار الفاصل للملعب، حتى أن إقليم "الباسك" و"كتالونيا" كانا من الداعمين لهذه الانتفاضة ضد الفاشية.
مع الوقت تحولت مباراة "ديربي" العاصمة الإسبانية مدريد إلى منصة لإطلاق الشعارات وتبادل الرسائل السياسية بين جماهير فرانكو والجماهير المعادية له أو المنقلبة. وبدأت الحرب تتسع لتصل إلى جماهير "الأولتراس" التي كانت أبرز الأدوات الهجومية بين جمهوري الفريقين.
بالنسبة لريال مدريد، نشأت "أولتراس سور" التي عُرفت آنذاك بالمتطرف اليساري الذي يساند فرانكو بكل الأشكال حتى لو وصل الأمر إلى العنف. لكن هذا الأولتراس فقد ثقة النادي "الملكي" مع مرور السنوات لأنه أساء لجماهير الفريق بتصرفاته الهمجية، ليُستبدل بعناصر أكثر شبابا وتبتعد عن مبدأ الثأر السياسي.
فريق الطبقة العاملة الحقيقي
تحتضن العاصمة الإسبانية أكثر من فريق كرة قدم، أبرزها ريال مدريد وأتلتيكو، البعض يعتقد أن ريال مدريد هو فريق الأغنياء وأتلتيكو هو فريق الفقراء، لكن الحقيقة تقول إن فريق الطبقة العاملة الحقيقية هو رايو فاييكانو، وبالنسبة لمدريد يُعتبر فريق رايو حاضناً للشعب وفخر الصناعة الإسبانية.
يتميز رايو فاييكانو بأنه محبوب في مدريد، فلاعبوه شاركوا في الانتفاضات الشعبية خصوصاً في عهد فرانكو، ورغم كل الضربات التي تعرض لها الفريق، إلا أنه في كل مرة كان يقف من جديد ويظهر بشكل مختلف في ظل دعم شعبي كبير.
أتلتيكو مدريد ليس فريق الطبقة العاملة كما يزعم الكثيرون وليس جماهيره أيضاً، فجماهير رايو فاييكانو كانت ضد الفاشية والعنصرية وضد السلطة حتى. والمثير أن جماهير رايو رفعت أعلام إسبانيا الديمقراطية خلال الحرب كما وظهرت صور لغيفارا وأعلام للشيوعية. فريق رايو يعرف جيداً أنه لن ينافس ريال مدريد أو أتلتيكو في العاصمة، لكنه فريق الفقراء الحقيقي وفريق الطبقة العاملة في العاصمة.
المواجهة بين ريال مدريد وأتلتيكو لا تسير على مبدأ الأغنياء في مواجهة الفقراء، رغم أن النادي "الملكي" أهم وأغنى من "الروخيبلانكوس" إلا أن هذه المقولة لا يمكن تطبيقها في ظل وجود رايو فاييكانو، وفي النهاية يمكن تسمية مباراة "الديربي" في مدريد بمواجهة السلطة والطبقة العاملة الميسورة، هي مباراة بين غريمين في مدينة واحدة تتحدث عن قصة سياسية وتاريخية معقدة تركت أثرا كبيرا في جماهير الفريقين.