كثيرة هي الضغوط التي تُمارس بحق التلاميذ خلال فترة امتحانات شهادة الثانوية العامة. وأحياناً، تؤدي هذه الضغوط إلى اكتئاب بعض التلاميذ أو انتحارهم، ما يتطلب العمل على الحدّ من الأمر
في بداية مارس/ آذار الحالي، بدأ عبدالله خالد امتحان شهادة الثانوية العامة. وفي صباح إمتحان اللغة العربية، تحديداً في التاسع من الشهر نفسه، حضر إلى مركز الإمتحان ليكتشف أنه نسي بطاقة الامتحان الخاصة به في المنزل، فأخبر أصدقاءه أنه عائد لإحضارها. لكن خالد لم يعد إلى المنزل أو المركز، واختفى. واستمر اختفاؤه أياماً حتى عُثر على جثته مؤخراً في نهر النيل، شمال أم درمان.
زملاء الفقيد وأسرته قالوا إن خالد كان في حالة توتر شديدة أيام الامتحانات. بالتالي، يمكن أن يكون الضغط النفسي قد قاده إلى تلك النهاية المأساوية. وسبق هذه الحادثة انتحار تلميذ أجنبي بعد أيام من بدء الامتحانات، وذلك في منطقة الفيحاء شرق الخرطوم. ولم يستبعد البعض أن يكون الضغط النفسي هو السبب أيضاً. وقبل سنوات، شنق تلميذ ثانوي في إقليم دارفور نفسه بسبب رسوبه في امتحان الشهادة السودانية.
اقــرأ أيضاً
هذه الحالات تشكّل نموذجاً للضغوط النفسية التي يتعرض لها التلاميذ قبل الامتحانات أو بعد ظهور النتائج، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج كارثية تهدد مستقبل التلاميذ. يقول الناشط المجتمعي عثمان الجندي لـ "العربي الجديد": "تدخّل الأهل يعرّض الأبناء لضغوط شديدة خلال فترة الامتحانات، إضافة إلى تحديد خياراتهم بين العلمي والأدبي، ما يؤثر على التحصيل الأكاديمي والاستيعاب والنتيجة النهائية للتلاميذ". لكن يلاحظ ارتفاع نسبة الوعي بين الأهل للتعاطي مع أولادهم، مستشهداً بأسرته التي وافقت قبل أيام على رغبة شقيقته في عدم التقدم لامتحان الشهادة الثانوية هذا العام، لأنها لن تكون قادرة على تحقيق النتيجة التي تتتمناها. ويبيّن أن الأسرة لم تضغط عليها وتجبرها على الجلوس للامتحان، وتركت لها الخيار.
من جهته، يرى المدرّس في المرحلة الثانوية في العاصمة الخرطوم، صابر أحمد، أن هناك مشكلة حقيقية في كيفية تعامل العائلات مع أبنائها الراسبين. ولا تهتم بعضها بمساعدة التلاميذ لتجاوز الأزمة النفسية، أو تشجعهم على تحويل الفشل إلى نجاح. يضاف إلى ما سبق الإصرار على الاستمرار في الجانب الأكاديمي، حتى لو كان للتلميذ رغبة في الدخول إلى المجالات الصناعية والفنية.
يضيف أحمد لـ "العربي الجديد" أن بعض التلاميذ يُشتمون ويقهرون ما يؤثّر على ثقتهم في أنفسهم، مشيراً إلى عدم تفرغ المدرّس للعمل في مدرسة واحدة نتيجة الظروف المعيشية وكثرة التلاميذ في الفصل الواحد. وهذه عوامل تضاعف المشاكل. ويوضح أن الحل يتطلب تنسيقاً بين الأسرة والمدرسة مع ضرورة تعديل المناهج بما يعزّز ثقة التلميذ في نفسه، ويساعده على التعامل بطريقة مثالية مع لحظات الفشل والإخفاق.
ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة النيلين أشرف أدهم، إن العائلات تسعى إلى الظهور بأفضل ما يكون والتفوق على المستويين الشخصي أو المجتمعي. والدراسة تعد أحد العوامل التي تؤدي للوصول إلى وضع اجتماعي أفضل. بالتالي، من الطبيعي أن يلجأ الآباء والأمهات إلى التشدّد خلال الامتحانات المصيرية، مخافة أي حرج اجتماعي. ويوضح أدهم أن الضغوط التي تمارسها العائلات غالباً ما تكون آثارها صعبة، ويُحرم التلاميذ من أية برامج ترفيهية على مدى أشهر. يضيف لـ "العربي الجديد" أنه يجب أن تؤدي كل من المدرسة والأسرة والمجتمع دورها لناحية تأمين وسائل ترفيه في الأحياء، حتى يجد كل تلميذ فرصة للتعبيرعن نفسه، ما يحد من حدة التوتر.
أما الخبيرالتربوي حسين الخليفة، فيقول إنه من خلال خبرته الطويلة في مجال التدريس، فإن الاكتئاب الذي يصيب التلاميذ نتيجة الفشل ليس جديداً. كما أن المجتمع والأسرة والمدرسة ما زالت لا تعطي أهمية للمشكلة، بل تضاعفها من خلال معاقبة الراسبين والنظر إليهم بشكل سلبي وتحميلهم مسؤولية الفشل الذي تكون الأسرة أو المدرسة جزءاً منه. ويشير إلى أنه "لا يمكن أن تطلب النجاح من ابنك في نهاية العام، إذا لم تتابعه طوال أشهر الدراسة، وتطلب منه منافسة زملائه الآخرين".
اقــرأ أيضاً
وينتقد الخليفة، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، عدم وجود مرشدين نفسيين في المدارس لمتابعة التلاميذ، مشدداً على أهمية الأمر. كما يشدد على ضرورة التواصل بين الآباء وإدارات المدارس بهدف تقييم مستوى التلاميذ وتحديد مكامن القوة والضعف لديهم. ويلفت إلى أن وزارة التربية والتعليم وإدارات المدارس كانت في السابق تصر على تأسيس مجلس الآباء، وكانت التجربة ناجحة جداً.
من جهته، يقول أستاذ الصحة النفسية علي بلدو لـ "العربي الجديد": "العائلات السودانية بعيدة جداً عن الصحة النفسية، وتختلف معاييرها في فترة الامتحانات والنتائج. وتزداد نسبة العنف اللفظي والعنف البدني، عدا عن أساليب التحقير والوعيد والتشهير بالتلميذ الراسب وتعريضه لعقوبات مختلفة وحرمانه من الأنشطة اليومية ومقارنته بالآخرين". يضيف: "لا يتوقف الأمر عند هذا الحد. كل هذه التصرفات تؤثر على ثقة التلاميذ في أنفسهم، وتجعلهم يشعرون بالدونية، ما يزيد من نسبة الاكتئاب وسط التلاميذ، ويؤدي إلى الهرب من المنزل نتيجة الشعور بالفشل، أو إلى أعراض جسدية وفقدان الإيمان بالعملية التربوية، عدا عن الحقد على الأسرة والمجتمع". ويؤكد أن كل ذلك سيفتح الباب أمام الاضطرابات النفسية وغيرها.
زملاء الفقيد وأسرته قالوا إن خالد كان في حالة توتر شديدة أيام الامتحانات. بالتالي، يمكن أن يكون الضغط النفسي قد قاده إلى تلك النهاية المأساوية. وسبق هذه الحادثة انتحار تلميذ أجنبي بعد أيام من بدء الامتحانات، وذلك في منطقة الفيحاء شرق الخرطوم. ولم يستبعد البعض أن يكون الضغط النفسي هو السبب أيضاً. وقبل سنوات، شنق تلميذ ثانوي في إقليم دارفور نفسه بسبب رسوبه في امتحان الشهادة السودانية.
هذه الحالات تشكّل نموذجاً للضغوط النفسية التي يتعرض لها التلاميذ قبل الامتحانات أو بعد ظهور النتائج، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج كارثية تهدد مستقبل التلاميذ. يقول الناشط المجتمعي عثمان الجندي لـ "العربي الجديد": "تدخّل الأهل يعرّض الأبناء لضغوط شديدة خلال فترة الامتحانات، إضافة إلى تحديد خياراتهم بين العلمي والأدبي، ما يؤثر على التحصيل الأكاديمي والاستيعاب والنتيجة النهائية للتلاميذ". لكن يلاحظ ارتفاع نسبة الوعي بين الأهل للتعاطي مع أولادهم، مستشهداً بأسرته التي وافقت قبل أيام على رغبة شقيقته في عدم التقدم لامتحان الشهادة الثانوية هذا العام، لأنها لن تكون قادرة على تحقيق النتيجة التي تتتمناها. ويبيّن أن الأسرة لم تضغط عليها وتجبرها على الجلوس للامتحان، وتركت لها الخيار.
من جهته، يرى المدرّس في المرحلة الثانوية في العاصمة الخرطوم، صابر أحمد، أن هناك مشكلة حقيقية في كيفية تعامل العائلات مع أبنائها الراسبين. ولا تهتم بعضها بمساعدة التلاميذ لتجاوز الأزمة النفسية، أو تشجعهم على تحويل الفشل إلى نجاح. يضاف إلى ما سبق الإصرار على الاستمرار في الجانب الأكاديمي، حتى لو كان للتلميذ رغبة في الدخول إلى المجالات الصناعية والفنية.
يضيف أحمد لـ "العربي الجديد" أن بعض التلاميذ يُشتمون ويقهرون ما يؤثّر على ثقتهم في أنفسهم، مشيراً إلى عدم تفرغ المدرّس للعمل في مدرسة واحدة نتيجة الظروف المعيشية وكثرة التلاميذ في الفصل الواحد. وهذه عوامل تضاعف المشاكل. ويوضح أن الحل يتطلب تنسيقاً بين الأسرة والمدرسة مع ضرورة تعديل المناهج بما يعزّز ثقة التلميذ في نفسه، ويساعده على التعامل بطريقة مثالية مع لحظات الفشل والإخفاق.
ويقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة النيلين أشرف أدهم، إن العائلات تسعى إلى الظهور بأفضل ما يكون والتفوق على المستويين الشخصي أو المجتمعي. والدراسة تعد أحد العوامل التي تؤدي للوصول إلى وضع اجتماعي أفضل. بالتالي، من الطبيعي أن يلجأ الآباء والأمهات إلى التشدّد خلال الامتحانات المصيرية، مخافة أي حرج اجتماعي. ويوضح أدهم أن الضغوط التي تمارسها العائلات غالباً ما تكون آثارها صعبة، ويُحرم التلاميذ من أية برامج ترفيهية على مدى أشهر. يضيف لـ "العربي الجديد" أنه يجب أن تؤدي كل من المدرسة والأسرة والمجتمع دورها لناحية تأمين وسائل ترفيه في الأحياء، حتى يجد كل تلميذ فرصة للتعبيرعن نفسه، ما يحد من حدة التوتر.
أما الخبيرالتربوي حسين الخليفة، فيقول إنه من خلال خبرته الطويلة في مجال التدريس، فإن الاكتئاب الذي يصيب التلاميذ نتيجة الفشل ليس جديداً. كما أن المجتمع والأسرة والمدرسة ما زالت لا تعطي أهمية للمشكلة، بل تضاعفها من خلال معاقبة الراسبين والنظر إليهم بشكل سلبي وتحميلهم مسؤولية الفشل الذي تكون الأسرة أو المدرسة جزءاً منه. ويشير إلى أنه "لا يمكن أن تطلب النجاح من ابنك في نهاية العام، إذا لم تتابعه طوال أشهر الدراسة، وتطلب منه منافسة زملائه الآخرين".
وينتقد الخليفة، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، عدم وجود مرشدين نفسيين في المدارس لمتابعة التلاميذ، مشدداً على أهمية الأمر. كما يشدد على ضرورة التواصل بين الآباء وإدارات المدارس بهدف تقييم مستوى التلاميذ وتحديد مكامن القوة والضعف لديهم. ويلفت إلى أن وزارة التربية والتعليم وإدارات المدارس كانت في السابق تصر على تأسيس مجلس الآباء، وكانت التجربة ناجحة جداً.
من جهته، يقول أستاذ الصحة النفسية علي بلدو لـ "العربي الجديد": "العائلات السودانية بعيدة جداً عن الصحة النفسية، وتختلف معاييرها في فترة الامتحانات والنتائج. وتزداد نسبة العنف اللفظي والعنف البدني، عدا عن أساليب التحقير والوعيد والتشهير بالتلميذ الراسب وتعريضه لعقوبات مختلفة وحرمانه من الأنشطة اليومية ومقارنته بالآخرين". يضيف: "لا يتوقف الأمر عند هذا الحد. كل هذه التصرفات تؤثر على ثقة التلاميذ في أنفسهم، وتجعلهم يشعرون بالدونية، ما يزيد من نسبة الاكتئاب وسط التلاميذ، ويؤدي إلى الهرب من المنزل نتيجة الشعور بالفشل، أو إلى أعراض جسدية وفقدان الإيمان بالعملية التربوية، عدا عن الحقد على الأسرة والمجتمع". ويؤكد أن كل ذلك سيفتح الباب أمام الاضطرابات النفسية وغيرها.