هذا التدبير يقول مختصون إنه أصاب السوق بالركود، بعد بدء الانتعاش والبيع والشراء، وانعكس بالتالي على أسعار السيارات المستعملة، فارتفعت أسعارها، وانعكس بالوقت ذاته، بالخيبة، على أصحاب المنشآت الخمس العاملة بمجال تجميع السيارات في سورية، خاصة بعد ادعاءات حكومة الأسد أخيراً، ببدء دعم هذه الصناعة وإصدار تحفيزات للقائمين عليها.
ويقول صاحب شركة بيع سيارات في دمشق، يوسف عامر، فاجأنا مرسوم الرئيس، لأن الحكومة وعدت بتحفيز ودعم صناعة تجميع السيارات، بعد عودتها للتجميع إثر توقف لخمس سنوات، إذ تم تجميع 3 آلاف سيارة العام الماضي، وبدأ التنافس هذا العام بين الشركات الخمس العاملة مع توقعات بعروض كثيرة وكسر للأسعار، لكن المرسوم فاجأ الجميع، وأعاد الشركات للتردد والسوق للاشتعال.
ويضيف عامر بحديث خاص لـ"العربي الجديد": "لا أدافع عن شركات التجميع، وأعلم أن عملها يقتصر على تركيب القطع، بل تأتيها السيارات، من كوريا والصين وحتى إيران، شبه جاهزة، فيركبون الإطارات والأضواء وبعض اللمسات في سورية، ولكن بدلاً من رفع الرسوم، كان يمكن وضع شروط ومعايير لصناعة التجميع، لأن رفع الرسوم زاد من سعر السيارات الجديدة، وبخاصة بواقع قلة الاستيراد، ما رفع أيضاً أسعار السيارات المستعملة".
وحول أسعار السيارات، يضيف عامر: "شهدت الأسعار خلال الشهرين الفائتين، ارتفاعا بنسبة 100%، ولم يعد بالسوق، سعر سيارة مستعلمة، فسيارات الكيا والهيونداي الكورية التي كان سعرها العام الماضي 2 مليون بات اليوم 4 ملايين وكذا بالنسبة للأوروبية المستعملة التي يتراوح سعرها بين 5 و7 ملايين ليرة سورية".
ويشير تاجر السيارات إلى أن قرار وزير الاقتصاد محمد سامر خليل أخيراً، برفع السعر الاسترشادي على مكونات وقطع التبديل المستوردة لصالح شركات تجميع السيارات السياحية الكورية بنسبة 20% ليصبح 10200 دولار للسيارة التي تبلغ سعة محركها 1600 سي سي، زاد من ارتفاع الأسعار بالسوق والتريث إن لم نقل الركود.
ويرى مراقبون أن مرسوم تعديل الرسوم الجمركية الذي أصدره بشار الأسد أخيراً، وحدد خلاله رسوما جمركية بنسبة 5% فقط على مستوردات مكونات السيارات، لا يشمل إلا شركتي صناعة التجميع الإيرانيتين " إيران خودرو وسيامكو" لأن ترخيصهما على نظام الثلاث صالات، في حين بقية الشركات مرخصة على نظام الصالة الواحدة، والرسوم التي فرضها المرسوم الجديد، تصل إلى نحو 30%، ما يجعل المنافسة عرجاء أمام الشركات الإيرانية.
وكانت شركتا تصنيع السيارات الإيرانية السورية "إيران خودرو" و"سيامكو" قد أعلنتا مطلع العام الجديد، العودة لممارسة نشاطهما في مجال تجميع السيارات داخل سورية، والبدء بإنتاج سيارات بمواصفات حديثة، يتراوح سعرها بين 7.5 ونحو 12 مليون ليرة سورية.
كما أعلنت، بالوقت ذاته، شركات سورية خاصة، كشركة "شموط" و"صروح إعمار" عن استمرار صناعة التجميع، وطرح سيارات صينية مجمعة بمنشآتهما، تقل أسعارها عن السيارات الإيرانية. وهو السبب الأهم وراء مرسوم تعديل الرسوم التي طاولت الشركات السورية ولم تشمل الشركات الإيرانية، كما يقول لـ"العربي الجديد" مختصون.
وبرر وزير المالية في حكومة الأسد، مأمون حمدان، صدور المرسوم وتباين النسب الضريبية على حسب الصالات لكل شركة بقوله: "ميّز المرسوم بين الصناعي المرخص وفق نظام الصالات الثلاث برسوم جمركية أقل، ونظيره الصناعي المرخص وفق نظام الصالة الواحدة؛ وذلك لما له من ميزات اقتصادية أكثر من نظام الصالة الواحدة، سواء على صعيد القيمة المضافة، وقدرته على تشغيل أعداد كبيرة من اليد العاملة، ولتشجيع الصناعيين المرخصين بالانتقال إلى نظام الصالات الثلاث".
ويضيف الوزير خلال تصريحات صحافية، يقضي المرسوم بإخضاع مستوردات مكونات السيارات للشركات المرخصة لصناعة السيارات والتي تعمل وفق نظام "الصالات الثلاث" لرسم جمركي نسبته 5%، في حين بلغت الرسوم الجمركية المفروضة على مكونات السيارات المستوردة من قبل الصناعي المرخص وفق نظام "الصالة الواحدة" بمقدار 30%، كما حدد المرسوم رسوم السيارات الكاملة المستوردة برسم جمركي مقداره 40%.
وهذه النسب، بحسب الوزير، ستحفز الصناعة الوطنية في مجال صناعة تجميع السيارات، من خلال الميزات المقدمة للشركات العاملة في هذا المجال، إضافةً إلى أنه يطور عملها بما يحقق المزايا الاقتصادية للاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تشجيع الاستثمار الاقتصادي في صناعة السيارات، وزيادة القيمة المضافة، وتشغيل عدد أكبر من اليد العاملة، وتعزيز الخبرات الوطنية في هذه الصناعة الهامة. كما سيفسح المرسوم المجال أمام تحقيق الوفورات في التكلفة سواء بالنسبة للمستثمر الصناعي أم بالنسبة للمواطن مع عدم إغفال حقوق الخزينة العامة.
وفي رده على المرسوم وما خلقه من منافسة غير متكافئة بين الشركات السورية والإيرانية، يقول المدير التنفيذي لـ"مجموعة شموط التجارية"، نبيل الملقي، إن القرار القاضي برفع الرسوم الجمركية على شركات تجميع السيارات من 5 إلى 30 بالمئة، للشركات التي تملك صالة تجميع واحدة، والتي تشمل السيارات الصينية والكورية التي يتم تجميعها في سورية، أدى إلى ارتفاع كلفة السيارات بحدود 15 بالمئة، وارتفاع الأسعار في الأسواق بالنسبة ذاتها.
وأضاف الملقي خلال تصريحات صحافية، إن شركة "سيامكو"، هي الوحيدة من بين الشركات العاملة حالياً تملك 3 صالات للتجميع وبقيت رسوم مستورداتها 5% وفق المرسوم.
وأوضح مدير شركة شموط التي تملك مصنعاً للتجميع في منطقة تل كردي بريف دمشق، أن المرسوم رفع الرسوم الجمركية على استيراد السيارات، من 30% إلى 40%، مشيراً إلى أن معظم الشركات كانت متوقفة عن الإنتاج خلال الفترة الماضية مع وقف استيراد مكونات تجميع السيارات منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بحجة انتظار المرسوم الجديد للرسوم الجمركية.
وتتجه حكومة بشار الأسد منذ مطلع 2018 إلى دفع صناعة تجميع السيارات ووضع معايير وضبط استيراد مكوناتها، بحسب تصريحات حكومية متطابقة.
وشكلت الحكومة الشهر الفائت، لجنة ضمت وزراء ومديرين عامين، خلصت إلى توصيات عدة، منها إنشاء خط دهان مشترك بين الشركات المرخصة بسورية، والبدء بتصنيع بعض مكونات السيارة داخل سورية.
وأوصت اللجنة باستمرار عدم منح إجازات استيراد لمكونات السيارات، إلا للشركات المرخصة والجاهزة للعمل، وبموجب كتاب حاجتها لتلك المخصصات الصادر عن وزارة الصناعة. فضلاً عن توصيتها بتعديل الرسوم الجمركية على مكونات صناعة السيارات، والذي أصدره الرئيس الأسد قبل أيام.
ويرى الاقتصادي السوري، محمود حسين، أن البلد الذي يسعى لتوطين أو تطوير صناعة، يخفض الرسوم ويقدم تسهيلات للشركات، ولا يرفع الرسوم كما فعل الأسد.
والأهم برأي حسين، هو توحيد الرسوم وخلق منافسة عادلة، وليس رفع الرسوم على الشركات السورية ستة أضعاف الشركة الإيرانية، فهذا سيؤدي لخروج الشركات من السوق أو الاستمرار بمنافسة خاسرة.
ويشير الاقتصادي السوري من إسطنبول بحديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن ثمة جانبا قلما وقف عنده أحد، وهو رفع أسعار السيارات المجمعة داخل سورية ليقترب سعرها من السيارات الأوروبية والألمانية واليابانية المستوردة، بهذه الحالة، سيتجه المستهلك للمستورد والذي يمتاز بجودة وسمعة تختلف عن الصيني والكوري، وأما إن سألنا من هم الوكلاء الذين يستوردون السيارات في سورية، فسنعرف أهم سبب لصدور المرسوم، فرامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، يضع يده على أهم وكالات السيارات.
ويلفت حسين إلى أن من أهداف المرسوم الجديد، والذي يفيد الإيرانيين والوكلاء أولاً، أنه تتمة لحرب غير معلنة، يشنها نظام بشار الأسد على بعض الصناعيين والتجار.
ولاحظ "أن حرباً بدأ يعلنها النظام على بعض أصحاب رؤوس الأموال السوريين، في خطة أعتقد أنها ستغير من ملامح البرجوازية السورية التقليدية، وتساعد في دخول أسماء جديدة من تجار الحروب وحديثي النعم والأموال، وهم بالضرورة ضمن فلك نظام الأسد".
واستند في اعتقاده هذا إلى "القرارات الصادرة أخيراً، والتي تأتي تحت شعارات عريضة، مثل الحفاظ على المال العام أو تشجيع الصناعة والإنتاج الوطني، مثل ملف القروض المتعثرة لمن هم داخل سورية وتأذت منشآتهم ولم يستطيعوا سداد القروض وفوائدها، أو قرارات بدلات الإيجار التي ضاعفت الإيجارات السابقة للصناعيين والتجار بنحو 8 أضعاف، أو حتى أخيراً للقرارات التجارية، من وقف دعم هذا وتمويل مستوردات ذاك أو حتى مرسوم الرسوم الجمركية على استيراد مكونات التجار".