قراءة في انتصار "العدالة والتنمية": أمن واقتصاد وفشل المعارضة

02 نوفمبر 2015
أسقطت النتائج كل استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات(سامح يوكسيل/الأناضول)
+ الخط -

لم يكن الانتصار الساحق الذي حققه حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم الأحد، متوقعاً، وهو الأمر الذي اعتبره الكثير من المراقبين انتصاراً كبيراً لخيار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعروف بمعارضته الحكومات الائتلافية، والمتهم من قِبل المعارضة بإفشال تشكيل الائتلاف الحكومي والدفع باتجاه إعادة الانتخابات. وبات "العدالة والتنمية" يمتلك بعد هذا الانتصار أكثر من 276 مقعداً الكافية للتفرّد بتشكيل الحكومة، بعد أن شهدت الانتخابات السابقة في يونيو/حزيران الماضي انخفاضاً كبيراً في نسبة أصوات الحزب فرضت عليه محاولة تشكيل ائتلاف الحكومي.

بين الانتخابات السابقة والحالية

لأول مرة منذ ما يزيد عن العقد، تَسقُط نتائج استطلاعات جميع شركات الأبحاث التركية، والتي كان أقربها إلى نتائج الانتخابات استطلاع شركة "إي أند جي"، والذي رآه المراقبون مبالغاً فيه حينها، بعد منحه لـ"العدالة والتنمية" نسبة 47 بالمائة من الأصوات، في الوقت الذي تراوحت فيه نسبة الأصوات التي منحتها بقية شركات الاستطلاع للأخير بين 40 و44 في المائة.

وبينما كانت نتائج حزب "الشعب الجمهوري" غير بعيدة عن نتائج الاستطلاعات، لم يمنح أي استطلاع حزب "الحركة القومية" (يميني متطرف) وحزب "الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية) أقل من 13,2، و12,2 على التوالي.

وعلى الرغم من أن النتائج الرسمية لن تصدر حتى 13 من الشهر الحالي، بحسب الهيئة العليا للانتخابات، إلا أن النتائج المبدئية تؤكد أن "العدالة والتنمية" حقق فوزاً ساحقاً بحصوله على 49,29 في المائة من الأصوات و314 مقعداً برلمانياً، بزيادة وقدرها 9 نقاط عن الانتخابات السابقة، بينما بقي حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) عند معدلاته المعهودة، بحصوله على 25,56 في المائة من الأصوات، و135 مقعداً برلمانياً، بزيادة ثلاثة مقاعد عن الانتخابات السابقة، وذلك في الوقت الذي كان فيه كل من "الحركة القومية" و"الشعوب الديمقراطي" أكبر الخاسرين، الأول عاد إلى معدلاته في انتخابات 2011 بحصوله على 12 في المائة من الأصوات و42 مقعداً، متراجعاً بأربع نقاط و39 مقعداً عن الانتخابات الأخيرة، النتيجة التي تُعتبر الأقل له منذ عودته إلى البرلمان بعد خروجه منه بفشله في تجاوز العتبة البرلمانية عام 2002. أما الثاني فقد حصل على 10,55 في المائة و59 مقعداً، متراجعاً بـ21 مقعداً عن نتائجه في الانتخابات السابقة.

وانخفض تعداد النائبات في المجلس الجديد 16 نائبة ليصبحن 82 نائبة، كانت معظمها على حساب "الشعوب الديمقراطي" الذي خسر 9 نائبات، ومن ثم "العدالة والتنمية" الذي خسر 6 نائبات، بينما "الحركة القومية" خسر مقعداً نسائياً واحداً.

اقرأ أيضاً: أردوغان: الأتراك صوّتوا للاستقرار

أصوات "العدالة والتنمية" الجديدة

مقارنة بالانتخابات السابقة، استعاد "العدالة والتنمية" ما يقارب 4,5 ملايين صوت، والتي جاءت من ثلاثة مصادر رئيسية. المصدر الأول تمثّل بخسارة "الحركة القومية" ما يقارب المليون و900 ألف صوت، وبينما لم يستطع "الشعب الجمهوري" زيادة نسبة أصواته، ذهبت الأصوات التي خسرها "الحركة القومية" جميعها إلى "العدالة والتنمية"، والتي تُشكّل النسبة الأكبر في الزيادة التي حققها الأخير.

أما المصدر الثاني فهو خسارة "الشعوب الديمقراطي" أكثر من مليون صوت، عاد جزء صغير منها إلى "الشعب الجمهوري" ممثلاً بأصوات اليسار التركي، بينما البقية ذهبت إلى "العدالة والتنمية" بحسب نتائج فرز المدن ذات الغالبية الكردية في جنوب وشرق الأناضول.

في حين كان المصدر الثالث للأصوات التي استعادها "العدالة والتنمية"، هو تراجع حزبي "السعادة" و"الاتحاد الكبير"، فبعدما حصل "التحالف القومي" الذي شكّله الحزبان على ما يقارب 950 ألف صوت في انتخابات يونيو/حزيران الماضي، لم يحصل الحزبان اللذان دخلا الانتخابات الحالية كل بقائمة منفصلة سوى على 587 ألفاً، وبالتالي ذهب لـ"العدالة والتنمية" ما يقارب 363 ألف صوت من حصتهما السابقة.

كذلك ارتفعت الأصوات التي نالها "العدالة والتنمية" من المغتربين، إذ حصل على 56 في المائة خلال هذه الانتخابات مقابل 40 في المائة في الانتخابات السابقة.

دوافع أمنية واقتصادية

وتتعدّد الأسباب التي قادت إلى الانتصار الكبير لحزب "العدالة والتنمية"، وأبرزها أن الحزب وإضافة إلى الوعود الاقتصادية المغرية، استطاع الحشد بشكل كبير، مستغلاً الأوضاع الأمنية القائمة في سورية والعراق، وأيضاً الهجمات الانتحارية في كل من سوروج وأنقرة، مع التعثّر الاقتصادي الواضح الذي ترافق بانخفاض حاد في سعر الليرة التركية أثناء مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي. فوضع المواطنين بين خيارين؛ الأول هو الاستقرار متمثلاً بتفرّد "العدالة والتنمية" بالحكم، والذي تشهد له المعجزة الاقتصادية التي تحققت في فترة حكم الأخير، وعدم حصول فراغ حكومي على الرغم من فشل مفاوضات تشكيل الحكومة الذي ترافق مع إدارة جيدة للعمليات ضد "العمال الكردستاني" وتنظيم "داعش"، أما الخيار الثاني وهو العودة إلى محاولات تشكيل الائتلاف الحكومي الذي أثبتت التجربة التاريخية وفشل تشكيل الائتلاف في الأشهر الماضية عدم نجاعة هذا الخيار لدولة محاطة "بفوضى الإرهاب".

اقرأ أيضاً: داود أوغلو بعد فوز العدالة والتنمية:هذا يوم النصر لأمتنا

ومن الأسباب الأساسية التي رجّحت كفة "العدالة والتنمية"، عودة وزراء وشيوخ الحزب للترشح، إذ قام "العدالة والتنمية" قبل انتخابات الأحد بتعديل استثنائي على نظامه الداخلي الذي يقضي بمنع أي شخصية حزبية من التواجد في البرلمان لأكثر من ثلاث دورات متعاقبة، وسمح لقادته المؤسِسين، والذين يُطلق عليهم "شيوخ الحزب" بالعودة للترشح مرة أخرى، الأمر الذي كان له بالغ الأثر على نتائج الحزب في عدد من الولايات. فكان لترشيح نائب رئيس الوزراء السابق للشؤون الاقتصادية علي بابا جان، على رأس قائمة الحزب في الدائرة الأولى في أنقرة، فضل كبير في استعادة الحزب لما يقارب 152 ألف صوت. كما ساهم ترشيح رئيس مجلس النواب السابق جميل جيجك على رأس قائمة الحزب عن الدائرة الثانية في العاصمة، باستعادة الحزب ما يقارب الـ140 ألف صوت، الأمر الذي أكسب الحزب مقعداً إضافياً في العاصمة.

وساهم ترشيح وزير الخارجية السابق مولود جاووش أوغلو على رأس قائمة "العدالة والتنمية" في ولاية أنطاليا باستعادة الحزب لما يقارب 102 ألف صوت وبالتالي ارتفعت مقاعد الحزب إلى 7 مقاعد بزيادة مقعدين عن الانتخابات السابقة، الأمر الذي تكرر في ولاية إرضروم بعد ترشح وزير الصحة السابق رجب أكداغ على رأس القائمة، لترتفع مقاعد الحزب إلى خمسة من أصل سبعة مقاعدة بزيادة مقعد واحد. وكذلك الأمر في مدينة إسطنبول إذ استعاد الحزب خمسة مقاعد إضافية في كل من الدائرة الثانية والثالثة، بعد ترشح كل من الوزير السابق وأحد شيوخ الحزب حياتي يازجي وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق فولكان بوزكير، والوزير الكردي السابق مهدي إيكر، والذي كان له دور كبير في رفع نسبة الأصوات الكردية التي نالها الحزب.

هذا الأمر تكرر في ولاية أورفة باستعادة الحزب لمقعدين وحصوله على 9 مقاعد بفضل ترشح الوزير السابق حسين جيلك، وكذلك في يوزغات بفضل وزير العدالة السابق بكير بوزداغ، والذي رفع مقاعد الحزب مقعداً لتصبح 4 مقاعد، وولاية وان (ذات الغالبية الكردية) التي استعاد فيها "العدالة والتنمية" مقعداً بفضل نائب رئيس الوزراء السابق بشير أتلاي، وأيضاً في ولاية كارابوك بفضل نائب رئيس الحزب محمد علي شاهين الذي رفع مقاعد الحزب إلى اثنين عن الولاية، وكذلك في عدد من الولايات الأخرى.

ويبدو أن فقدان الثقة بالمعارضة كان من الأسباب الإضافية التي أدت إلى فوز "العدالة والتنمية"، إذ كان للأداء السياسي لأحزاب المعارضة التركية بعد انتخابات يونيو/حزيران الماضية أثر كبير في فقدان هذه الأحزاب لثقة الرأي العام التركي، وبالذات في ما يخص "الحركة القومية" الذي رفض بزعامة دولت بهجلي كل العروض التي قُدّمت له لتشكيل الائتلاف الحكومي، بما في ذلك عرض "الشعب الجمهوري" لتسليم بهجلي منصب رئاسة الوزراء، الأمر الذي وضع الحزب تحت ضغط كبير، وخصوصاً أثناء تشكيل الحكومة المؤقتة بعد فشل كل المحاولات بتشكيل الائتلاف الحكومي، والذي بلغ ذروته بعدم التزام توغرول توركيش، أحد أهم قيادات الحزب، بانضمامه للحكومة المؤقتة ومن ثم فصله من "الحركة القومية" وترشحه على قائمة "العدالة والتنمية".

هذا الأمر تكرر مع حزب "الشعب الجمهوري" الذي لم يُبدِ المرونة الكافية للعودة إلى الحكم وأفشل تشكيل الائتلاف الحكومي بعد تمسكه بإحداث تغييرات جذرية في السياسة الخارجية والتعليم. وكذلك حزب "الشعوب الديمقراطي" الذي تبنى موقفاً موارباً في انتقاد "العمال الكردستاني" بعد الهجمات التي شنها الأخير على قوات الأمن التركية، بل وتبنيه خطاب "الكردستاني" الذي يضع اللوم على الحكومة في عودة الاشتباكات وصولاً إلى اتهام الدولة بالوقوف وراء الهجوم الانتحاري الذي وقع في العاصمة أنقرة.

يُضاف إلى ذلك كله، فقدان المعارضة للهوية السياسية، فيبدو أن حزب "الشعب الجمهوري" كان الوحيد الذي استطاع الحفاظ على قاعدته الكمالية التي لم يخسرها، ولكنه لم يستطع كسب أي أصوات جديدة على الرغم من الوعود الاقتصادية التي زخر بها برنامجه. وذلك بينما أفقد التصعيد العالي في النَفَس القومي لدى "العدالة والتنمية" متزامناً مع الهجمات الموجعة التي شنتها قوات الأمن التركي على "الكردستاني"، أي مبرر لوجود "الحركة القومية"، والذي يعتمد بشكل أساسي في استمراره على معارضة عملية السلام مع "العمال الكردستاني" بكل تفاصيلها.

بينما افتقد حزب "الشعوب الديمقراطي" الأسس التي استند إليها في صعوده كحل وسط داعٍ للسلام ونابذ للعنف، وذلك عبر تبنيه خطاباً تماهى بشكل يكاد يكون شبه كامل مع "العمال الكردستاني"، عبر اتهام الحكومة بالمسؤولية عن الحرب مع "الإرهاب" ممثلاً بـ"الكردستاني"، واتهامهاً بالتعاون مع "داعش" أيضاً.

وبلغ خطاب "الشعوب الديمقراطي" ذروته عبر اتهام الدولة التركية بالمسؤولية عن التفجير الانتحاري الذي وقع في أنقرة، وصولاً إلى اعتبار عداء أنقرة لـ"الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري للعمال الكردستاني) عداءً للأكراد جميعاً، متحدياً السلطات التركية بأن "الاتحاد الديمقراطي" سيقوم بعبور الفرات، مشكّلاً شريطاً كاملاً على الحدود التركية، والذي يُعتبر خطاً أحمر في اعتبارات الأمن القومي التركي.

اقرأ أيضاً: انتصار "العدالة والتنمية" يعزز العلاقة بين أنقرة وأربيل