يقدّم معرض "الروّاد" الذي افتتح في السابع من الشهر الجاري في "دارة الفنون - مؤسسة خالد شومان" في عمّان ويتواصل حتى الخامس والعشرين من الشهر المقبل، أعمالاً لـ نقولا الصايغ (1863 - 1930)، وخليل حلبي (1889 - 1964)، وزلفة السعدي (1905 - 1988).
تعكس اشتغالات الفنّانين الثلاثة على القدس بعيداً عن تمثلّها كمدينة مقدّسة من خلال تسجيل الحياة اليومية وأشغال الناس فيها والطبيعة من حولها، وهو ما يرتبط أيضاً بـ "ميلاد اللغة المحلية" في التشكيل الفلسطيني بتعبير كمال بُلاطه في كتابه "استحضار المكان" الذي يعد مرجعاً حول هؤلاء وسواهم من رواد التشكيل الفلسطيني.
كما يتضمّن المعرض لوحات ونسخاً للوحات من مجموعة هشام الخطيب لعدد من أبرز الفنانين الأوروبيين الذين رسموا مدن القدس وحيفا وعكّا ونابلس وبيت لحم في القرن التاسع عشر، إضافة إلى أنسجة وأثواب تعود إلى القرن نفسه من مجموعة وداد قعوار.
أسّس الصايغ محترفاً في القدس، تتلمذ على يده العديد الفنانين الفلسطينيين، وقدّم لوحات تعتمد أساساً على النقل المباشر في محيطه اليومي مثل لوحات الطبيعة الصامتة، التي سجّل من خلالها تفاصيل المكان الفلسطيني بأعمال تقترب من الفوتوغراف، كما رسم أيقونات دينية مضفياً عليها "حسّاً دنيوياً"، بوصف دارسيه.
بدورها، أظهرت أعمال حلبي أسلوباً خاصاً في تناول البيئة الفلسطينية مستفيداً أيضاً من الرسم الأيقوني، وباستخدام تقنيات تستند إلى الصورة الفوتوغرافية من خلال نقلها إلى سطح اللوحة والرسم فوقها بمساحيق رصاصية، وهو ما أثّر في جيل لاحق من التشكيليين قبل النكبة.
أما زلفة السعدي، فقد تعلّمت الفن على يد نقولا الصايغ، وكانت أول فنانة فلسطينيّة رائدة تشارك في "المعرض الفنّي الأول" في القدس عام 1933 ضمن "المعرض القومي العربي للصناعات الفلسطينيّة"، وحصلت على جائزته.
تميّزت السعدي برسم لوحات لشخصيّات ثقافية وتاريخيّة مثل صلاح الدين الأيوبي، وعمر المختار، وأحمد شوقي، والشريف حسين بن علي، وجمال الدين الأفغاني، وقد غادرت القدس عام 1948، ولجأت إلى دمشق ثمّ درّست الفنّ في مدارس "وكالة الغوث الدولية" حتى توفيت عام 1988.
يتشارك الفنانون الثلاثة في انتمائهم إلى مدينة القدس، وفي حضورها الطاغي في كثير من أعمالهم، غير أن الثيمة الأساسية التي تحضر فيها، هي في تعاملهم معها بوصفها واقعاً معاشاً، وسعيهم الدؤوب إلى تصوير الأمكنة الدينية باعتبارها جزءاً من حياة المقدسيين وغير منفصلة عنهم وكأنها أيقونة على جدار.
في السياق ذاته، تُعرض بعض مقتنيات هشام الخطيب التي تضمّ أعمالاً لـ تريستان إيليس، وديفيد روبرتس، ووليام بارتلت، ورينيه هالبرن ولويس فوربن، وبونفيس، والتي تعدّ وثائق تؤكد حضور المكان الفلسطيني بمعماره وناسه وحياتهم اليومية الحافلة بالحركة عبر الزمان.
بينما تشكّل مقتنيات وداد قعوار صورة شاملة للتطريز والسجاد والأقمشة بتنويعاتها المختلفة على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، وقد أمضت سنوات طويلة في جمعها وتصنيفها لتسجّل تاريخها وكيفية صنعها وتطوّرها في المجتمع.