لليوم الثالث على التوالي تستمر الاشتباكات بين عشيرتين في محافظة ميسان جنوبي العراق، إثر خلاف على "جاموسة" تسبب حتى الآن بمقتل وإصابة 14 شخصا من كلا العشريتين، وسط عجز الشرطة عن وقف المعارك التي تستخدم فيها أسلحة متوسطة وخفيفة.
ووفق مصادر أمن عراقية، فإن الاشتباكات بين العشيرتين تسببت حتى الآن بمقتل ستة أشخاص، وجرح ثمانية آخرين بينهم امرأة.
وأوضح ضابط من شرطة محافظة ميسان (350 كيلومترا جنوبي العراق) أن "المعارك مستمرة بين العشيرتين باستخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وأسفرت عن سقوط ستة قتلى بينهم شرطي، وثمانية جرحى بينهم امرأة".
وأضاف الضابط لـ"العربي الجديد" اليوم الأحد أن "الخلاف بدأ بين العشيرتين في منطقة "نهر العز" في مدينة ميسان حول ملكية جاموسة، وتطور عبر استخدام الأسلحة النارية، ثم تحول الخلاف إلى معركة شرسة بين الطرفين".
وبيّن أن "القوات العراقية تطوق مكان المعركة منعاً لتوسعها إلى المناطق المجاورة، في حين تحاول الوساطات العشائرية والأمنية التدخل لحل النزاع، وإيقاف المعركة بين الطرفين المتصارعين".
من جانبه، قال رئيس مجلس محافظة ميسان منذر الشواي في تصريح صحافي، إن "القوات الأمنية العراقية طوقت منطقة الاشتباك، وتعمل على احتوائه، واعتقلت حتى الآن ستة أشخاص من المتهمين بالمشاركة في المعركة، واستولت على عدد من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة".
وأضاف الشواي "التنافس العشائري في ميسان يشتد على أمور أخرى، وأدى الاحتقان إلى هذه النتيجة لأسباب بسيطة مثل الخلاف على ملكية جاموسة".
واعتبر أن المشاكل والنزاعات العشائرية المسلحة في الجنوب وراءها "شيء مبهم"، معتبراً أن "هناك من يستغل سذاجة بعض أهالي هذه المناطق، في وقت تنشغل فيه الدولة بالحرب ضد تنظيم "داعش" لإشغال الدولة بشكل أكبر عن حربها".
ولم تكن هذه المعركة الأولى من نوعها بين عشيرتين في المجتمع العراقي، بل حدثت خلال السنوات الماضية خلافات مماثلة أسفرت عن قتلى وجرحى بسبب خلاف حول مقتل "كلب رعي" على يد أحدهم.
ويعتبر الجاموس بالنسبة لأهالي جنوبي العراق ذا مكانة خاصة، فهو مصدر رزقهم، وتكاد معيشتهم تعتمد بشكل كلي على تلك الحيوانات، خاصة في مناطق الأهوار جنوب البلاد.
ويشهد العراق في السنوات الأخيرة معارك ضارية بين العشائر في جنوب البلاد، لم تتمكن القوات العراقية من فضها رغم استخدام المروحيات والمدرعات، وتدخل قوات الجيش في مراتٍ عدة.
وعاد العراقيون بأذهانهم إلى حرب "البسوس" التي اندلعت شرارتها في العصر الجاهلي، بسبب خلاف حول "ناقة" أدى إلى نشوب حرب طاحنة أكلت أشرس رجال القبائل العربية.
الشيخ حاجم العماري أحد وجهاء مدينة ميسان بيّن أن "المشكلة تكمن في عدم خضوع العشائر للقوانين الوضعية والسماوية، بل تعتمد على قوانينها العشائرية الخاصة من عادات وتقاليد، وهذا معروف للجميع في ظل ضعف الدولة وترهل الأمن".
وتابع العماري "معارك ضارية اندلعت في أوقات سابقة بين عشائر جنوب العراق في البصرة وميسان وبابل ومدن أخرى كانت أسبابها جداً بسيطة، إما بسبب خلاف على تزويج امرأة أو بسبب أرض زراعية، أو بسبب ملكية حيوان أو ما شابه، وهذه معضلة كبيرة في المجتمع العراقي راح ضحيتها عشرات الأبرياء".
ويقول العماري "عادت بنا الذاكرة إلى حرب "البسوس" التي اندلعت في العصر الجاهلي بين القبائل العربية بسبب "ناقة" واستمرت 40 عاما، وأهلكت الحرث والنسل، ويبدو أننا عدنا إلى العصر الجاهلي مرة أخرى بسبب غياب القانون للأسف".
واضطرت الحكومة العراقية إلى إرسال فرقة من الجيش العراقي والقوات الخاصة مدعومة بالمروحيات العسكرية لفض معارك عشائرية اندلعت في الجنوب خلال الأشهر الماضية، لكنها لم تتمكن من فض تلك النزاعات بسبب خشية الضباط والجنود من ملاحقتهم عشائرياً".
وبرزت في العراق في الآونة الأخيرة العديد من الظواهر العشائرية الغريبة مثل "مطلوب عشائرياً" و"مطلوب دم" و"مطلوب ثار" استهدفت مسؤولين وعسكريين وأطباء ومدنيين، نتيجة خلافات شخصية تطورت إلى خلافات عشائرية مسلحة.
وكان أحد أكبر الصراعات العشائرية المسلحة في جنوب العراق منتصف 2015 انتهى بـ"فدية" قضت بتسليم 50 امرأة "كفصل عشائري" إلى إحدى العشائر، ما أثار موجة غضب واستياء واسع بين المثقفين والكتاب والناشطين العراقيين.