قبل 10 أيام من الانتخابات الأوروبية: عودة الفتور للعلاقات الفرنسية الألمانية

16 مايو 2019
العلاقات بين ميركل وماكرون ليست في أفضل حالاتها (Getty)
+ الخط -
العلاقات بين الجارين الكبيرين، ألمانيا وفرنسا، ليست دائما على ما يرام، ولكن القاطرة الأوروبية تحتاج إليهما معا، خاصة مع تصويت البريطانيين على "بريكست". وفي كل مرة يتغاضى الجاران عن الأشياء التي تفرق بين البلدين، ويركزان على البناء الأوروبي، كما فعل الاشتراكي فرانسوا ميتران والمسيحي الديمقراطي هيلموت كول، خاصة أثناء استعادة الوحدة الألمانية.

وتميزت علاقات الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ببعض المودة، لا سيما وأن حزبيهما عضوان في الحزب الشعبي الأوروبي أقوى الأحزاب في الاتحاد الأوروبي. في حين أن علاقات الرئيس الاشتراكي السابق فرانسوا هولاند مع أنغيلا ميركل، كانت باردة في البداية قبل أن تربطها الاتصالات العديدة بينهما، وأيضا تضامن ألمانيا مع فرنسا في محنة الاعتداءات الإرهابية ومكافحة الإرهاب.

ولكن العلاقات بين إيمانويل ماكرون والمستشارة ميركل ليست على ما يرام. وقد جاءت تصريحات المستشارة الألمانية، يوم أمس الأربعاء، لتكشفها للعلن. فقد اعترفت ميركل بوجود "مواجهات"، وليست "صراعات"، كما بادرت لتوضيح الأمر للإيليزيه، بين الطرفين، وهو ما يكشف أن الثنائي ليس بالقوة التي يتصورها البعض. واعتبرت المستشارة الألمانية أنه ليس من المُسلَّم به دائما أن تتقدم باريس وبرلين، يدا بيد. واعتبرت أنه توجد اختلافات في الذهنيات بين الطرفين واختلافات في فهمنا للأدوار، وأن الأمر ليس وليد اليوم. ولكن توجد، دائما، حلول وسطى بين الطرفين.

وهو ما بادر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتوضيحه بأنها "مواجهات خصبة"، من أجل "بناء حلول وسط". كما حاول مقربون من الرئيس ماكرون، أن يفسروا هذه التصريحات الألمانية بكونها موجهة للداخل الألماني، وتحديدا في حملة الانتخابات الأوروبية.



وعلى الرغم من محاولات التقليل من حدة التصريحات الألمانية، إلا أنه سيكون لها بعض التأثير، خاصة على حملة ماكرون في الانتخابات الأوروبية، والتي دافع فيها الرئيس ماكرون وحزبه ولائحته الانتخابية عن خيار الاتحاد الأوروبي وضرورة تحريكه، بشكل أكبر. وليس سرا القول إنه ليس ممكنا تحريك الاتحاد الأوروبي من دون التنسيق مع أقوى الاقتصادات الأوروبية على الإطلاق.

هل توجد فرنسا في عزلة؟

لا أحد يشك في هوى الرئيس ماكرون الأوروبي، ولكن كثيرا من الإشارات تؤكد عزلته، على الرغم من بدايات حكمه الواعدة. إذ ليس فقط الجار الألماني من لا يجاري أفكار ماكرون، بل إن الرئيس ماكرون دخل في صراع مفتوح مع قادة أوروبيين آخرين اتهمهم بالشعبويين والمحافظين، في الوقت الذي كانت ميركل تدخل بعضهم في حكومتها، بحثا عن الاستقرار في البلد.

وقد أدرك الرئيس الفرنسي طبيعة العلاقات بين البلدين، حين نشر رسالته الشهيرة إلى المواطنين الأوروبيين في كبريات الصحف الأوروبية، والتي دافع فيها عن نظرته للاتحاد الأوروبي، وكان جواب القيادية الجديدة في حزب ميركل وخليفتها، أنغريت كرامب-كارنباور، جافا، على عكس توقعات الرئيس ومستشاريه.

كما أن نظرة ماكرون التي تقسم الاتحاد الأوروبي بين تقدميين، حزبه "الجمهورية إلى الأمام" منهم، وآخرين شعبويين ومحافظين، لا تساعده على التقرب من ميركل، إذ يُطرَح سؤال المظلة التي سيجلس تحتها نواب "الجمهورية إلى الأمام" في البرلمان الأوروبي، ومن التأكيد أنهم لن يكونوا إلى جانب نواب حزب ميركل، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، المنضوي تحت لواء "الحزب الشعبي الأوروبي"، اليميني، حيث سيتواجد هناك نواب حزب "الجمهوريون".

وأخيرا، تطرح، على الدوام، قضية مقر البرلمان الأوروبي في مدينة استراسبورغ الفرنسية، إذ لا تخفي ميركل رغبتها في التخلص من هذا المقر، وتجميع المقرات في بروكسيل، وهو ما أكدته أنغريت كرامب-كارنباور، في ردها على رسالة ماكرون للأوروبيين. كما أن الفكرة يتشاركها بعض أعضاء الحزب الشعبي الأوروبي.

لكن جميع رؤساء اللوائح الانتخابية، ما عدا لائحة "الإيكولوجيين"، يرفضون رفضا باتا المساس بمقر الاتحاد في استراسبورغ، يمن فيهم حزب "الجمهوريون" حليف ميركل في البرلمان الأوروبي، الذي أكد قياديون فيه، من بينهم رئيس الحزب لوران فوكييز ورئيس لائحة الحزب في الانتخابات كزافيي بيلامي، معارضتهم لنقل المقر من استراسبورغ.

والمفارقة أن باسكال دوران، وهو قيادي إيكولوجي انضمّ إلى لائحة "الجمهورية إلى الأمام"، يعتبر الرغبة الألمانية "استفزازا من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ومن أنجيلا ميركل. إنهما يوظفان ملف استراسبورغ لأغراض سياسية في العلاقات مع فرنسا، ولكن أيضا لأغراض تتعلق بالسياسة الداخلية"، قبل أن يعبر عن ابتهاجه لهذه التوترات بين فرنسا وألمانيا، "إذ على الأقل سنخرج من الرتابة التي كانت عليها العلاقات في ولاية فرانسوا هولاند".

فهل سيصمد ماكرون في وعوده وأحلامه وهواه الأوروبي المعلن، أم أن وهج السنتين الأوليين من ولايته الرئاسية في انحسار؟