في روايته "الفيسكونت المشطور" Il Visconte dimezzato يهجو الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو Italo Calvino بشاعرية مبتسمة أسطورة النفس المتناغمة المكتفية بذاتها.
يعود ميداردو دي تيرّالبا من الحرب بجسده المقسوم طوليّاً إلى نصفين لا يلتقيان، نصفيْ جسد منفصلين حرفيّاً ونصفيْ نفس منفصمين ومتخاصمين بين خير وشرّ.
كلاهما مجروح ويحمل أشلاء حياة مبتورة ومثلومة، حياة مطرودة من معناها ومهجورة من الآخرين. كلاهما كالفتى العربي في شعر المتنبي "غريب الوجه واليد واللسان".
يندفع النصفان باسم الحبّ إلى مبارزةٍ دامية عاقديْن العزم على الاستئثار بالمرأة التي تلوّح لهما دون أن تدري بخلاصٍ غامض وتقترح أُنوثتَها كشفاء جوهريّ وضروريّ لقلبٍ ذكوريّ يفترس نفسه. يتصارع النصفان فتستحيل شهوة القتل عناقاً. يُغْمِد كلُّ نصفٍ سيفَه في النصف الآخر فيلتحمان من جديد جسداً واحداً. يلتئمان ولا يكتملان. صديقان لدودان. غريمان حميمان.
كلٌّ جُرْحُ الآخَر وبلسمُه. كلٌّ داءُ الآخَر ودواؤه.
تبزغ الذات من ثغراتها وثقوبها وندوبها، وتغزل نسيجها الأصيل من فجواتها وخدوشها وكدماتها وتقرّحاتها. قد تتشرّد الحياة الإنسانية طويلاً في سراب خوفها وعنفها قبل أن تهتدي لكمال وجمال نقصانها.
* شاعر واختصاصي نفسي عِيادي من فلسطين