وبالفعل، خلال يومين، كان السيسي قد كلّف مجلس الوزراء بتشكيل لجنة تشمل وزارتي التضامن الاجتماعي والخارجية والأجهزة المعنية بالدولة، تكون مهمتها إعداد تصوّر شامل لتعديل القانون المنظِّم لعمل الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني من خلال الاطلاع على التجارب الدولية المشابهة، وإجراء حوار مجتمعي شامل تشارك فيه مجموعات شبابية متنوعة، تمهيداً لعرضه على البرلمان.
هذا القرار، تلقفته المنظمات والجمعيات الأهلية الموالية للنظام، واعتبرته "قراراً جريئاً" وفرصة لإبداء مزيد من التأييد والولاء. وقال عضو "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، مدير "المركز المصري لحقوق الإنسان" (منظمة مجتمع مدني مصرية موالية للنظام)، حافظ أبو سعدة، إنّ "تعديل قانون الجمعيات الأهلية يعدّ قراراً جريئاً من الرئيس عبد الفتاح السيسي، خصوصاً بعد صدور القانون رسمياً". وتوقّع أبو سعدة أن يتمّ تغيير الرسوم اللازمة لبدء نشاط الجمعيات الأهلية في القانون القديم، وأن يكون صدور الترخيص وقرار الموافقة أو رفض الحصول على التمويل الأجنبي خلال شهر.
في المقابل، شكّك المحامي نجاد البرعي، في وجود إرادة حقيقية لدى السلطة في تحسين سمعة قانون الجمعيات الأهلية، ورأى أنّ "المشكلة ليست في إقرار قانون أو إلغاء آخر، وإنما في وجود رغبة في التنفيذ"، لافتاً إلى أنّ "الحكومة تستطيع استخدام نصوص القانون الحالي مع تنفيذ أكثر ديمقراطية بحال كانت نواياها مخلصة لجهة عدم عرقلة العمل الأهلي، لأن السنوات الماضية كشفت أن الأزمة ليست في نصوص الدستور أو القوانين، وإنما في المناخ السياسي".
وسبق أن أصدر "المركز المصري لحقوق الإنسان"، الذي يديره أبو سعدة، والذي يتولّى مهمة الدفاع عن النظام في الملف الحقوقي أمام المحافل الدولية، بياناً مشتركاً مع 16 منظمة أخرى على نهجه الموالي نفسه، أكدوا فيه "ترحيبهم بمبادرة الرئيس لمراجعة القانون"، وكذلك "رفضهم الكامل للقانون"، مطالبين "بسنِّ قانون بديل على أن يتم فتح حوار وطني حول قانون الجمعيات، وذلك رغبة في الوصول إلى قانون يحظى بتوافق عام، سواء من جانب الحكومة أو من جانب الجمعيات، ويمنع تكرار الانتقادات التي تجابهه".
يشار إلى أنّ القانون السابق للجمعيات الأهلية في مصر رقم 84 لسنة 2002 كان قمعياً أيضاً، لكن القانون الحالي يعطي للحكومة السيطرة على إدارة المنظمات غير الحكومية من خلال تجميد الأصول المالية وحظر السفر وحملات التشوية والملاحقات القضائية.
إلى ذلك، فقد كان للمنظمات الحقوقية المعارضة للنظام أيضاً موقف من الإعلان المفاجئ للسيسي، وأصدرت إحدى عشرة منظمة حقوقية مصرية معارضة، بياناً مشتركاً طالبت فيه بإصدار قانون جديد للمنظمات والجمعيات الأهلية في مصر، بدلاً من القانون الحالي. وقالت هذه المنظمات في بيانها إنّ "المنظمات الحقوقية الموقعة ترى أنه لا جدوى من أي مساعٍ لتعديل هذا القانون المعيب المبني على فلسفة عدائية تجاه المجتمع المدني، وأنه لا بديل عن عملية إعادة هيكلة متكاملة للقانون تنطلق بالأساس من اعتراف وتقدير لدور المجتمع المدني ورغبة سياسية في تحريره واستقلاله".
وشددت المنظمات على أنّ "مخالفة القانون الحالي للنصّ الدستوري وضماناته، والتزامات مصر الدولية بموجب مواثيق حقوق الإنسان، بل وتعارضه مع أبجديات العمل الأهلي، لن تُجدي معها أي تعديلات، إذ يتعيّن تغيير الفلسفة التي بني عليها هذا القانون، وبدء عملية متكاملة، يمثّل إصدار قانون جديد أولى خطواتها، نحو تمكين المجتمع المدني وتحرير العمل الأهلي في مصر بما يتّسق والدستور والمواثيق الدولية".
ورأت المنظمات أن يكون مشروع القانون الذي انتهت إليه المشاورات الديمقراطية المثمرة الممتدة لقرابة 6 أشهر بين الدولة و"الهيئة العليا للعمل الأهلي" الصادر بتشكيلها قرار رقم 164 لسنة 2013 بقيادة وزير التضامن الاجتماعي وقتها، أحمد البرعي، هو الأساس لأي نقاش حول مستقبل العمل الأهلي في مصر والإطار التشريعي الناظم له. وكان مشروع القانون الذي خرج عن لجنة البرعي محلّ استحسان الجمعيات المصرية، فضلاً عن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، إلا أنّه وبعد هذا الجهد المثمر، تمّت تنحية القانون والإطاحة بالوزير أحمد البرعي، وإملاء مشروع قانون آخر متناقض معه تماماً.
وقد تعرّض القانون الجديد (الحالي) رقم 70 لسنة 2017، لانتقادات دولية واسعة، واعتبره المقرر الخاص المعني بالتجمع السلمي والحق في تكوين الجمعيات في الأمم المتحدة "قانوناً أُعدّ بشكل متعمّد لشلّ قدرة المجتمع المدني على الحركة وقمع قدرته على التعبير عن آرائه".
وفي 1 يونيو/حزيران 2017، قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، إنّ "القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات في مصر مستمرة"، وإنّ قانون الجمعيات الأهلية "سيزيد من تقييد مجال رصد حقوق الإنسان والدعوة والإبلاغ عن الانتهاكات من قبل المنظمات غير الحكومية"، مؤكداً أنّ القانون "سيكون له ضرر بالغ على المدافعين عن حقوق الإنسان وسيصبحون أكثر عرضة للانتقام".
كما أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بياناً قالت فيه إنّ "قانوناً جديداً مقترحاً من مجلس النواب المصري سيمنع المنظمات غير الحكومية المستقلة من العمل، لأنه سيجعل عملها وتمويلها خاضعين لمراقبة السلطات الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية".
كذلك، أصدرت "منظمة العفو الدولية" بيانًا طالبت فيه مصر بعدم التصديق على قانون الجمعيات الأهلية الذي اعتبرته "الأكثر قمعاً" بحقّ تلك الجماعات في البلاد. وقالت إنّ توقيع مشروع القانون الجديد للجمعيات الأهلية سيكون بمنزلة "تفويض لموت الجماعات الحقوقية المصرية".
وتوالت الانتقادات الدولية ووصلت لحدّ تجميد الإدارة الأميركية جزءاً من المعونة العسكرية لمصر، بسبب مخاوف تتعلّق بمستقبل العمل الأهلي والمنظمات المستقلة في ظلّ هذا القانون.
ولم تختلف الانتقادات المحلية والدولية في تقييمها للقانون الحالي وبنوده، وارتكزت على أنّ القانون يعكس فلسفة طموح الحكومة في دمج منظمات المجتمع المدني ضمن أجهزة الدولة، واعتبار أعضاء مجالس إدارة الجمعيات والمؤسسات الأهلية والاتحادات المنبثقة عنها وموظفيها، في حكم الموظفين العموميين. كما منح القانون الحكومة الحقّ في التدخّل في تنظيم أدقّ شؤون الجمعية، وكذلك حقّ تقديم طلب للقضاء بحلّها، إذا ما رأت الحكومة أنها عاجزة عن تحقيق الأغراض التي أنشئت من أجلها.
ويفيض القانون في الأنشطة المحظور على الجمعيات والمؤسسات الأهلية ممارستها، بما يضع الأبحاث الميدانية كافة واستطلاعات الرأي، أياً كان نوعها، ضمن الأنشطة المحظورة. ووفقاً للقانون الحالي، يجب على الجمعيات الأهلية الحصول على موافقة مسبقة على أي تبرّعات تتجاوز عشرة آلاف جنيه، وإذا لم تمنح الموافقة خلال 60 يوماً يعتبر الطلب مرفوض تلقائياً. وبحال لم يتم إخطار السلطات بهكذا أمر، فقد يعاقب المسؤولون عن ذلك بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وبغرامة تصل إلى مليون جنيه.
ويمنح القانون الحكومة سلطة تقرير مَن يحقّ له تأسيس جمعية أهلية وتحديد أهدافها. وهو يُلزم الجمعيات بالعمل وفقاً "لخطط الدولة للتنمية"، وهو ما يضع قيوداً شديدة على العمل الذي قد تقوم به الجمعيات في مجالات لا تعتبرها الحكومة ذات أولوية. كذلك، من الممكن أن يتم سجن رؤساء الجمعيات والمنظمات الذين ينقلون مقرّ كياناتهم بدون إبلاغ السلطات، لمدة سنة، كما أنه يمكن أن تصل عقوبة أي مخالفة للقانون إلى السجن 5 سنوات وغرامة تصل إلى مليون جنيه مصري (65,000 دولار). وأي جماعة لا تُسجل نفسها بموجب القانون الجديد في غضون 6 أشهر، ستعتبر منحلة تلقائياً.