بعيداً عن مؤسسات المجتمع المدني والشارع الفلسطيني، صادق الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بغموض، على قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، في ليلة عيد الفطر، من دون أن يعرف المواطنون ما نوع الجرائم المذكورة وما عقوباتها. وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من حادثة حجب 22 موقعاً إعلامياً إلكترونياً لم يصدر أي كتاب رسمي بشأنها.
قانون الجرائم الإلكترونية يقلق الخبراء في مجال قانون الإعلام الإلكتروني، إذ إن مجرد المصادقة عليه، من دون مناقشته مع الاختصاصيين، يعتبر خرقاً واضحاً واستهدافاً للحريات الإلكترونية في فلسطين.
وفي هذا السياق، قال الخبير في شؤون الإعلام القضائي وحقوق الإنسان، ماجد العاروري، إن "المجتمع الفلسطيني، في موضوع الجرائم الإلكترونية، لا يحتاج إطلاقاً لأي قانون، لأن كل الجرائم المتعلقة بالنشر مغطاة بموجب القوانين الفلسطينية المعمول بها، بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في النشر، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مطبوعة"، في حديثه لـ"العربي الجديد".
وأشار العاروري إلى أن "الجرائم المتعلقة بالابتزاز الإلكتروني وانتهاك الخصوصية لديها أيضاً قوانين تجرمها، وبالتالي لا يوجد أي مبرر لمثل هذه القوانين في هذه المرحلة إلا لتقييد الحريات على المواطنين واستغلال السلطة".
واعتبر أنه "إذا ما كانت هنالك قوانين أوضح، فيجب أن تكون من القوانين التي تضمن حماية المواطنين من تسلط الدولة في انتهاك خصوصيتهم، وتتيح لهم فرصة مقاضاتها إذا ما انتهكت خصوصيتهم بأي وسيلة من الوسائل الإلكترونية، وبإجراءات غير قانونية".
وأضاف "إذا ما أردنا الحديث عن جانب يحتاج إلى تعزيز أكثر على المستوى القانوني، فلا يجب أن يتعلق بمسائل النشر التي يتبعها المواطن على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لأن هذه المسالة مجرمة في قانون العقوبات وتوجد قضايا مسجلة ومختلفة على مختلف الوسائل الالكترونية".
وجزم العاروري الذي لم يطلع على بنود القانون الجديد، لأنه لم ينشر حتى بعد المصادقة عليه، بأن ثمة تجاهل لأساس حماية المواطن، وضمان حقه في انتهاك خصوصيته، وملاحقة المنتهكين قانونياً وقضائياً، لا سيما الذين يطلعون على محادثاته وعلاقاته وصفحاته الشخصية.
وأكد أن مسألة القوانين، حالياً، تستند إلى شرعية القوة في هذه المرحلة، أكثر من شرعيتها الدستورية، ولا توجد إمكانية للحديث عن الشرعيات الدستورية من دون العودة إلى الانتخابات.
وقال العاروري إن "أي قانون يقر حتى لو كان قانون الحق، بعيداً عن مشاركة الناس، يعتبر قانوناً باطلاً". وأضاف أن "عملية التعتيم عليه وإقراره بعيداً عن الناس استهداف واضح للحريات، خاصة في ظل حجب المواقع أخيراً بشكل سريع ومن دون أي أساس قانوني، ويبدو أن القانون الجديد محاولة لإيجاد تغطية قانونية تساهم في قمع الحريات في المجتمع الفلسطيني وفرض قيود عليها".
بدوره، أكد مدير "مركز مدى للحريات الإعلامية"، موسى الريماوي، أن ثمة مخاوف كبيرة وخطيرة حول المصادقة على القانون من دون عرضه للمناقشة مع المؤسسات ذات الاختصاص، وشدّد على أنه يتوجب نشر بنود قانون الجرائم الإلكترونية الجديد، ومناقشته مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وذلك في حديثه لـ"العربي الجديد".
مسألة عدم نشر القانون والتعتيم عليه تشكل خوفاً وقلقا لدى مؤسسات الحريات الإعلامية في فلسطين، وستطالب هذه المؤسسات بالحصول على نسخ منه، ووضع الملاحظات عليه، والاعتراض على بعض بنوده التي تتنافى مع الحريات، والتحرك بشكل واضح وصريح إزاء البنود التي قد تمس حريات الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
وفي سياق متصل، دعت "نقابة الصحافيين الفلسطينيين" إلى عدم إنفاذ قانون الجرائم الإلكترونية وتجميد إجراءات نشره والعمل به، إلى حين الاطلاع عليه ودراسته من قبلها ومن قبل الجهات ذات العلاقة في مؤسسات المجتمع المدني، وعبرت عن قلقها إزاء طريقة إقراره من دون إخضاعه للنقاش والملاحظات من الجهات المعنية بما فيها النقابة، بل حتى من دون إطلاع النقابة عليه.
وأشارت في بيان لها، إلى أن "الأمانة العامة قررت إرسال رسائل إلى الرئيس محمود عباس وإلى رئيس الوزراء رامي الحمد الله للمطالبة بوقف تنفيذ القانون لحين الاطلاع عليه وإبداء وجهة نظرها فيه، باعتبارها جهة ذات علاقة مباشرة بهذا الموضوع".