قانون الانتخابات التونسيّة.. آخر محطات العبور من المؤقّت للدائم

11 ابريل 2014
من جلسات المجلس التأسيسي قبل يومين (فتحي بلعيد، GETTY)
+ الخط -

تبدو الانتخابات المقبلة، المقررة نهاية العام الجاري، لحظة فاصلة في حياة التونسيين، بما أنها يُفترض أن تختتم مساراً دام حوالى أربع سنوات، تشكّلت فيها أهم المؤسسات الراعية والضامنة للديموقراطية: ـ دستور جديد، ومحكمة دستورية (قبلها لجنة مؤقتة لمراقبة دستورية القوانين الانتقالية)، اتُّفق على أن تكون ممثّلة لأبرز الهيئات القضائية المستقلة. و"الهيئة العليا للسمعي والبصري"، التي شرعت في إنجاز مهامها الرئيسية كمراقبة و"معاقبة" للبرامج التلفزيونية والقنوات المخالفة، وأصدرت كرّاساً لشروط تأسيس القنوات الجديدة، واتّفقت مع الحكومة على أن يكون لها الرأي الفصل في اختيار المسؤولين عن مؤسسات الاعلام الحكومي، وعلى مراقبة التغطية أثناء الحملات الانتخابية، بما يضمن موضوعيتها وحيادها، و"هيئة الحقيقة والكرامة" (العدالة الانتقالية)، التي لا يزال من غير المعروف ما إذا كانت قادرة على الشروع في عملها قبل الانتخابات، وهو ما تطالب به جميع الأحزاب، علناً على الأقل، والهيئة العليا للانتخابات، المستقلة والمنتخبة، وغيرها من الهيئات والمؤسسات التي نشأت على الرغم من كل الخلافات والنقاشات التي سبقتها، ولكنها في النهاية وجدت سبيلاً لتوافُقٍ ما.

لكنّ الصورة ليست ورديّة بأي حال، إذ لا تزال الملفات التي تحتاج إلى حلول قبل موعد الانتخابات، عديدة، منها الملف الأمني، أو "الإرهاب"، والاضطرابات الاجتماعية والإنماء غير المتوازن بين المناطق، والصعوبات الاقتصادية الكبيرة.

ولعلّ أحد أبرز الحواجز التي لا تزال تحول دون الشروع فعلياً في الحملات الانتخابية، وتشكيل التحالفات الحزبية، تتلخّص بالقانون الانتخابي الذي يشرع المجلس التأسيسي في مناقشته فصلاً فصلاً، وهو ما يعني أننا دخلنا مرحلة العد العكسي للانتهاء منه، والذهاب مباشرة الى الانتخابات.

لكنّ صياغة القانون الانتخابي لن تكون بالسهولة التي يتصوّرها البعض، رغم إحالة الخلافات بشأنه الى لجنة التوافقات، ومطالبة البعض بإحالته الى مؤسسة الحوار الوطني، وتشوبه خلافات جوهرية بين الأحزاب، أبرزها يتعلق بالعزل السياسي، ومرافقة الأميين في الانتخابات. كل ذلك مع أنّ البعض يرى أن الخلافات باتت محسومة على اعتبار أن الكتلة الأهم في المجلس التأسيسي، أي "حركة النهضة" ومعها بعض الأحزاب، مثل "الجمهوري" و"نداء تونس" و"المبادرة" و"الجبهة الشعبية"، قد حسمت أمرها حين قررت الوقوف ضد "قانون العزل"، والاحتكام الى العدالة الانتقالية بدلاً منه. موقف مناقض لما تبنّاه الحليفان السابقان لـ"النهضة" في إطار "الترويكا، أي "حزب المؤتمر" و"حزب التكتل"، اللذان يدفعان من أجل تمرير الفصل 15 الشهير، الذي يقضي بمنع ترشح أبرز وجوه نظام زين العابدين بن علي، بهدف "تحصين الديموقراطية".

ويقف مع الحزبين المذكورين، جزء كبير من "الكتلة الديموقراطية"، سابقاً، وعدد من الاحزاب الاخرى كـ"حركة وفاء"، التي دعت الى حملة توقيع شعبية لحشد الدعم الواسع من أجل "تحصين الثورة". ويبرّر هؤلاء موقفهم بالقول إن الديموقراطية الوليدة لا تزال بحاجة الى رعاية وتحصين من عودة رموز النظام السابق. ويذكّرون في هذا السياق، أن الباجي قائد السبسي نفسه وافق على قرار التحصين السياسي إبان انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في الهيئة العليا "لتحقيق أهداف الثورة".

ويرى البعض أن المطالبين بقانون العزل السياسي، قدموا تنازلات مهمة حتى لا يجري اتهامهم بـ"العقاب الجماعي"، الذي يصفه مناوؤهم بـ"اللا دستوري"، وأنهم ضيّقوا قائمة المطلوب منعهم من الترشح لتشمل فقط رموز حكم بن علي، خصوصاً الذين عادوا في الآونة الاخيرة الى القنوات التلفزيونية مدافعين عن "ماضيهم"، وهو ما اعتبره كثيرون شكلاً من أشكال الاستفزاز لمشاعر التونسيين، بما أن معظم هؤلاء لم يعتذر عن مسؤوليته السياسية والقانونية. ويبدو أن مكتب المجلس التأسيسي سيدفع في اتجاه الانطلاق في مناقشة مشروع القانون المحدث للهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين، ومناقشة مشروع قانون التحصين السياسي للثورة، مباشرة بعد المصادقة على القانون الانتخابي.

لكن "العزل السياسي" لا يمثل نقطة الخلاف الوحيدة في القانون الانتخابي، إذ هناك، مثلاً، خلاف حاد حول مسألة السماح بمرافقة الأميين الى الخلوة الانتخابية من عدمه، وهو ما تعارضه هيئة الانتخابات الجديدة، وعدد من الاحزاب والمنظمات المعنية بالانتخابات، على اعتبار أن السماح بمرافقة الأميين هو عملياً انتخاب بالوكالة يمكن أن يغيّر نتائج الانتخابات بالكامل، بما أن التقديرات تفيد بأن الأميين يشكلون حوالى 25 في المئة من مجموع الناخبين.

ولم يتحدّد بعد شكل احتساب النتائج الذي يضمن وجود الاحزاب "الصغيرة" في البرلمان المقبل، كما حدث في الانتخابات الماضية، إذ ضاع أكثر من مليون صوت بين قوائم كثيرة مشتتة. وسيحاول القانون الانتخابي الجديد أن يستفيد من تلك التجربة حتى يتفادى سيطرة الاحزاب والقوائم الكبيرة على مجلس الشعب المقبل.

فضلاً عن ذلك، يدور خلاف حاد حول تمويل الحملات الانتخابية، إذ تنادي بعض الأصوات بضرورة مراقبتها ووضع سقف لتمويل "مشبوه"، علماً أن معظم الأحزاب التي شاركت في انتخابات 23 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم تصرح إلى اليوم بميزانية حملتها الانتخابية.

يرى كثيرون أن الانتهاء من صياغة القانون الانتخابي، هو آخر الخطوات الجوهرية التي ينبغي على التونسيين إنجازها بأقل الانقسامات الممكنة، للعبور جدياً إلى مرحلة جديدة بالكامل، عنوانها انتخاب برلمان جديد ورئيس غير "مؤقَّتين" مثلما هو الحال اليوم، وذلك للعبور بتونس من صيغة المؤقت الى الدائم والدستوري.