كان من المرتقب أن يحمل القانون الانتخابي النيابي الجديد في لبنان، والمفترض أن تتمّ على أساسه انتخابات 6 مايو/ أيار المقبل، جديداً على صعيد تطور العملية الانتخابية من أجل تحقيق تمثيل أفضل، على عكس قوانين الانتخابات القائمة على القاعدة الأكثرية منذ استقلال هذا البلد عام 1943. غير أن القانون الجديد جاء مليئاً بالمصائب، وأولها أنه اعتمد قاعدة اللوائح المقفلة في بلد ليس فيه أحزاب حقيقية تمتلك مشاريع سياسية ينتخبها أنصارها على هذا الأساس. وأدى هذا الأمر في النتيجة إلى ولادة مجموعة لوائح لتحالفات معيارها الوحيد تقاسم المقاعد البرلمانية الـ128، بدليل أن معظم الأحزاب المختلفة على كل شيء، تحالفت مع بعضها البعض في دوائر، وتنافست في أخرى، لأن زعماء أحزاب السلطة لم يتفقوا على تقاسم لمقاعد الدائرة المعنية في ما بينهم.
تاريخياً، كان قانون الانتخابات اللبناني قائماً على أساس مبدأ "الأكثرية"، أي أن الفائز يأخذ كل شيء. وعُمل بهذا القانون، مع تعديل دائم في دوائره الانتخابية، لنحو 75 عاماً، أي منذ سبتمبر/ أيلول 1943 وحتى الآن. ولم تكن القوانين الانتخابية عادلة في الكثير من المرات، منها ما كرّست خللاً طائفياً، ومنها ما سمحت بكسر إرادة ناخبين في أماكن كثيرة، ومنها ما كانت معلّبة بالترهيب والترغيب. أما القانون الحالي، والذي أُريد له أن يكون "نموذجياً"، فبرزت فيه سلبيات بالجملة.
واختراع "الصوت التفضيلي" هو بدعة لبنانية بامتياز، بينما النسبية في العالم تفترض ترقيم اللائحة وفقاً للمرشحين، على أن ينتخب الناس اللائحة فقط لا مرشحين محددين معها.
أيضاً من مشاكل القانون الجديد، المال الانتخابي، إذ نصّ القانون في الإنفاق الانتخابي ضمن المادة 61 على التالي: "يحدد سقف المبلغ الأقصى الذي يجوز لكل مرشح إنفاقه أثناء فترة الحملة الانتخابية وفقاً لما يأتي: قسم ثابت مقطوع قدره مئة وخمسون مليون ليرة لبنانية (100 ألف دولار)، يضاف إليه قسم متحرك مرتبط بعدد الناخبين في الدائرة الانتخابية الكبرى التي ينتخب فيها وقدره خمسة آلاف ليرة لبنانية (3.5 دولارات) عن كل ناخب من الناخبين المسجلين في قوائم الناخبين في الدائرة الانتخابية الكبرى. أما سقف الإنفاق الانتخابي للائحة فهو مبلغ ثابت مقطوع قدره مئة وخمسون مليون ليرة لبنانية عن كل مرشح فيها".
يعني هذا أنه في حال احتاج المرشح إلى 10 آلاف صوتٍ في دائرة ما لضمان نجاحه، فمن السهل بالنسبة إليه إنفاق الأموال على 10 آلاف شخص يمنحونه صوتهم التفضيلي، ما يؤدي إلى نجاحه، بدلاً من إنفاقها على 100 ألف مقترع مثلاً بشكل حملة دعائية مدفوعة. وما يساعد في ذلك، هو "الحاصل الانتخابي" الذي تحتاجه كل لائحة كي تؤمن نجاحها بنسبة كبيرة. و"الحاصل الانتخابي" عبارة عن عدد المقترعين الفعليين في دائرة ما، مقسوماً على عدد المقاعد المخصص للدائرة، على أن من يعبُر الحاصل الانتخابي، يحتاج إلى الحصول على عددٍ كاف من الأصوات التفضيلية كي يصبح نائباً أو نائبة. بالتالي فإن بند الإنفاق الانتخابي شرّع الباب أمام "رشوة شرعية". ما يعني أننا أمام مجلس نيابي محكوم بأكثريته من رجال أعمال، قد يكونون مشاريع "دولة أوليغارشية".
ومن السلبيات في القانون، عدم تخصيص مقاعد للمغتربين كحصة برلمانية، بينما سيشاركون في هذه الدورة للمرة الأولى من أماكنهم في بلاد الاغتراب. وقد تمّ تسجيل نحو 92 ألف مغترب فقط في السفارات اللبنانية في الخارج، وهو رقم خجول جداً بما أن ملايين اللبنانيين يعيشون في الخارج، بين دول الخليج وأفريقيا والقارة الأميركية وأستراليا وأوروبا. ومع أنه من حقوق المغتربين البديهية التصويت في أي انتخابات، إلا أن عدم تخصيص مقاعد برلمانية لهم سيسمح لهم بتغيير نسبي في بعض الدوائر بما قد يعاكس رأي غالبية المقيمين، وخصوصاً أن القدرة على القيام بجولة لدى بلدان الاغتراب، لا يملكها الكثير من الأطراف مادياً سوى أهل السلطة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عدد المقاعد الـ128 غير شرعي، لأن المقاعد الفعلية هي 108 مقاعد، إلا أنه تمّ التغاضي عن المخالفة الدستورية إبان الحكم السوري للبنان (1990 ـ 2005)، وتمّ تكريسها عرفاً بصورة نهائية بعد خروج قوات النظام السوري من البلاد في 26 إبريل/ نيسان 2005. ولم يقم أي فريق بتعديل البند وإعادته إلى ما كان عليه. ورفضت السلطات اعتماد مبدأ السماح للناخب المقيم في لبنان بالتصويت في منطقة سكنه، مشددة على ضرورة التصويت في مسقط رأسه. ويمكن لهذا النوع من التشديد أن يجعل المواطنين يترددون في المشاركة بالانتخابات على اعتبار أنه بسبب طبيعة لبنان المركزية إدارياً، ونزوح 80 في المائة من اللبنانيين إلى المدن للعمل، نصفهم تقريباً في العاصمة بيروت، سيجعل من الناخب الذي تقع دائرته في منطقة بعيدة عن العاصمة، متردداً في المشاركة بالانتخابات، خصوصاً أنه في يوم الانتخابات ستشهد البلاد زحمة سير خانقة.