قابِلية الاستِحْمار والاستسهال

15 اغسطس 2014
+ الخط -

أخيراً، اكتشف باراك أوباما أن داعِشْ يقوم بِفَظَائع ضد الأيزيدين، كَالتي قامتْ بها بلاك ووتر وجيش المْهدي، وقرّر قصف هذا "المسخ" المُبهم. يَعود أوباما إلى بلادِ "الحُسين" عَوْدة الفاتحين المنافقين، في حين كَان العَرب وجامعتهم يتفَرجُون على تفْكيك نسيجه الاجتماعي بفعل نوري المالكي، وقدْ صَارت بغداد شبيهة بنفسها زمن جنْكيز خان وهولاكو، ليرسم إعادة التقسيم، والتعويم الديني الشامل والمُمنهج بين الإسلام والمسيحية، ثم السُنة والشّيعة، والوّهابية والصُوفية، واستغلال الانفِصَامات المُرتَبطة بهزائم تاريِخية مُتّصلة، لدولٍ مسكونةٍ باْلحنين إلى نوستالجيات القًهر، والصِراعات القديمة على المْاء والكلأ والنَار، في أسْوأ مظَاهرِ البداوة الإنسانية النائمة على الحُقول النفطية.

عِندما كتَبَ ابن خلدون عن العصبية ودورة العمران، أسس نظرة استشرافية للتشوهات الحالية، وجعلها المفتاح الذي سيّر أحداث التاريخ الإسلامي.

كما جاءت صياغة، مالك بن نبي، نظرية القابلية للاستعمار سنة 1948، متزامنة مع إعلان عصابات الهاجانا قيام إسرائيل، على الرغم من أن مجتمعاتنا لم تكن مُنْكَشِفة معرفيًا، أو زُجَاجية المُحتوى الديني، مثلما الآن، حيث تدفع ثمن تدفقات الصورة وتراكمات عقود التجهيل، بسبب القراءة اليابسة للإرث السابق، ثم اختزاله في "قبائل نجديةّ"، تُقصي الآخرين، فيما الحقيقة أن ديناً جاء بتطبيقه النبوي للقضاء على اللعبة الميكانيكية للعصبيات الضّيقة، عِلماً أن كبار أئمة الحديث والتفسير، مثل الطبري والقرطبي والبخاري والترمذي ومسلم وابن ماجة والنسائي والألباني، جلهم من بلاد خراسان وقزوين، إذن، من الذي خطف الدين لعشيرته ومذهبه؟

من كان سرق التاريخ وسماه بقبيلته، وأنتج عصابات إرهابية، مرتكزاتها لا تختلف عن الهاجاناه، يوضح لنا أن جرائم آرييل شارون نسخة عن مجازر جيش المهدي في الأنبار، والزرقاوي والبغدادي في الموصل، قصد هيكلة دول دينية، ثم تمردوا على آلهتهم الأميركية والسعودية والإيرانية التي وفرت لهم الحماية والمال.

مأساة التجريد الحضاري أن هذا البُؤس انتفخ إعلامياً، وولد من التحالف المقدس بين الفقر والجهل لإنسانٍ منزوع الحُريات، خاوي التفكير، اِستغلته المَافيا السّياسية والمْذهبية، وفق أهدافها المهترئة، ورسم خرائط أوهام الافتراء، لتجنيد شباب تدفعهم عقدهم الجنسية إلى تمني الحور العين وإلغاء الحدود، فقط لأنهم فشلوا في استئجار صالات أفراح للزواج، أو الحصول على تأشيرة، فاستبدلوا إخفاقاتهم بأشياء يعتقدون أنها مجانية، تعْفيهم دفعةً واحدةً من فرائض الصًلاة والزَكاة.

هؤلاء هم ثمرة الحكم الثيوقْراطي المتصلب، العاجز عن بناء وطن ومواطن غير مهزوز يؤمن بقيم الحضارة، ومعتقدات الآخرين. وحتى المال لا يبني المجتمعات، بقدر ما يفسدها ويجعلها مأزومة بين عصبياتٍ جاهلية، فرطت في قيم دينها الداعية للوسطية والعدل، وغيبت التمحيص العلمي لتراث تاريخي، يزدحم بأفعال "داعشيّة" حذر منها محمد أركون ومصطفى محمود ونصر حامد أبو زيد.

avata
avata
الحسن حرمه (الجزائر)
الحسن حرمه (الجزائر)