وتوقّع بيدرسون، الثلاثاء الماضي، أن يتم الاتفاق على تشكيل اللجنة الدستورية الخاصة بسورية قبل نهاية الصيف المقبل، قائلاً: "نقترب من (التوصّل) إلى اتفاق حول اللجنة الدستورية".
وأشار إلى أن تشكيلها لا يزال يتطلب الاتفاق على أسماء 6 أعضاء، ستجري بشأنهم مشاورات إضافية، موضحاً أنه تم التوصل إلى تفاهم "على شطب 6 أسماء من القائمة المتفق عليها سابقا، والتي قدمها المجتمع المدني. ونعمل جاهدين لتكون الأطراف موافقة على جميع الأعضاء".
وبحسب خطة الأمم المتحدة، فإنّ اللجنة الدستورية، التي من المفترض أن تقود عملية مراجعة الدستور وإجراء انتخابات، يجب أن تتضمن 150 عضواً؛ 50 منهم يختارهم النظام، و50 تحددهم المعارضة، و50 ينتقيهم المبعوث الخاص للأمم المتحدة، بهدف الأخذ بآراء خبراء وممثلين عن المجتمع المدني، وعن القبائل السورية والنساء. ومن المقرر اختيار 15 عضواً من كل قائمة لصياغة الدستور، على أن يكون الأعضاء الآخرون من القوائم الثلاث بمثابة هيئة استشارية.
وكانت المعارضة قد قدّمت، في يوليو/ تموز الماضي، قائمة بمرشحيها إلى اللجنة الدستورية، وضمت ممثلين عن مكوّنات هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، من "الائتلاف الوطني السوري"، و"هيئة التنسيق الوطنية" التي ينظر إليها باعتبارها ممثلة لمعارضة الداخل السوري، ومنصتي "موسكو" و"القاهرة"، والفصائل العسكرية، ومستقلين.
بدوره، سلّم نظام بشار الأسد تحت ضغط روسي، في أواخر مايو/ أيار من العام الماضي، قائمته إلى المبعوث الدولي، والتي ضمّت أعضاء وفد النظام التفاوضي إلى جنيف، ما عدا رئيس الوفد، مندوب النظام لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، بالإضافة إلى عدد كبير من أعضاء حزب "البعث" الحاكم للبلاد منذ عام 1963.
وبقي الثلث الأخير من اللجنة الدستورية مثار جدل لم ينته بعد، إذ رفض النظام أي تدخّل من المبعوث الدولي في وضع أسماء مرشحي المجتمع المدني، في محاولة منه لتعطيل تشكيل اللجنة، فيما حاول الروس ترشيح أسماء تميل للنظام، لضمان نسبة أكبر موالية للأخير في اللجنة، وهو ما عرقل تشكيلها.
وفي السياق، ذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أنه نتيجة الصراعات والاتهامات من قبل النظام للمبعوث الدولي بعدم الحياد، طُرح العديد من السيناريوهات لتشكيل قائمة المجتمع المدني (المفترض أن تضم مستقلين لناشطين في العمل المدني تسميهم الأمم المتحدة)، منها إعادة توزيع مجموعة العمل المدني على الأطراف الثلاثة، فيسمي النظام 15 عضواً من المجتمع المدني، والمعارضة 15 عضواً، والأمم المتحدة 14 عضواً، في حين يتم تحديد الأسماء الستة الباقية من قبل الأمم المتحدة، على أن تنال موافقة جميع الأطراف". وأشارت المصادر إلى أنّ "النظام كان يضغط ليكون له 30 مقعداً في قائمة المجتمع المدني، إلا أنّ الأمم المتحدة اعترضت على ذلك كي تكون هناك لجنة دستورية متوازنة"، لافتةً إلى أنّ "من بين السيناريوهات المطروحة لتجاوز عقدة الأسماء الستة التي تحدث عنها بيدرسون أخيراً "أن تسمي المعارضة 3 أسماء والنظام 3 أخرى".
وتحوّلت المقاعد الستة في اللجنة الدستورية إلى عقدة بلا حلّ حتى اللحظة، حيث يحاول النظام ومن خلفه حلفاؤه الروس والإيرانيون، فرض شخصيات موالية له ليضمن الأغلبية في اللجنة، ومن ثم يستطيع تمرير دستور على مقاسه.
وفي هذا الإطار، أكد مصدر مطلع في هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "النظام يريد إدراج أسماء من قبله، وحينما يرفض بيدرسون تتولى روسيا تقديم أسماء بديلة لا تختلف عن الأسماء التي يقدمها النظام، وعند البحث يتبين للأمم المتحدة أن هذه الأسماء موالية للنظام، فتُرفض". وأشار المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ القائمة "لا تزال في عهدة بيدرسون ولم يفصح عنها، ولم تُعرض علينا لكي نبني موقفنا منها".
وكان من المنتظَر أن يتفاهم الثلاثي الضامن في سورية (تركيا، روسيا وإيران) في الجولة 12 من مسار أستانة التي انتهت منذ أيام، على قائمة أسماء اللجنة الدستورية، على أن تُعلن في مدينة جنيف مطلع أيار/ مايو الحالي. ولكن هذه الأطراف خرجت خالية الوفاض من أي تفاهم، ما يعني بذل مزيد من الجهود من المبعوث الأممي للتوصّل إلى حلّ من المؤمَل أن يصل إليه في بداية الصيف المقبل.
إلى ذلك، رجح المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض المعارضة، يحيى العريضي، في حديث مع "العربي الجديد"، حسم مسألة تشكيل اللجنة الدستورية، ومن ثم إعلان الأسماء، بعد شهر رمضان، أي في بدايات يونيو/حزيران المقبل، مشيراً إلى أنّ "النظام وحلفاءه يتخذون من الأسماء الستة حجة للتملّص من الاستحقاق الدستوري". وأوضح أنه اتُفق على كل القضايا الإجرائية الناظمة لعمل اللجنة بما فيها مسألة رئاسة اللجنة التي ستكون مشتركة بين النظام والمعارضة. وأشار العريضي إلى أنّ النظام يريد حصر عمل اللجنة بمراجعة دستور وضعه في عام 2012 وإدخال تعديلات على بعض مواده، مشدداً على أن المعارضة "ترفض هذا الطرح، وتصرّ على وضع دستور جديد للبلاد".
ويعطي دستور عام 2012 صلاحيات واسعة لمنصب رئيس الجمهورية، إذ صيغ هذا الدستور على مقاس بشار الأسد، فيما تصرّ المعارضة في المقابل، على وضع دستور جديد يقلّل من صلاحيات الرئيس، ويحدّد الجهات المخولة بالسيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية. كما تدفع المعارضة السورية باتجاه تحويل نظام الحكم في سورية إلى "برلماني"، أو "مختلط"، بعد عقود من نظام جمهوري تحوّل في عام 2000 إلى وراثي، بعدما تولّى بشار الأسد السلطة عقب وفاة والده حافظ الأسد، في مشهد لا يزال عالقاً في ذاكرة السوريين، إذ تمّ تعديل الدستور الذي وضعه الأسد الأب في السبعينيات من القرن الماضي، خلال دقائق، لتمهيد الطريق أمام الأسد الابن لتسلم السلطة.
ورغم أنّ مبدأ اللجنة الدستورية نتاج مؤتمر "سوتشي" أو ما سمي بـ"مؤتمر الحوار الوطني السوري" الذي عقد مطلع 2018 في مدينة سوتشي الروسية، بحضور وفد موسّع يمثّل النظام والموالين له والبعض من قيادات المعارضة المتباينة المواقف، إلا أنّ النظام لا يزال يعرقل ولادة هذه اللجنة، في خشية واضحة من أن تؤدي إلى وضع دستور جديد يفتح الباب واسعاً باتجاه القضاء عليه. وكانت المعارضة السورية اضطرت تحت ضغط إقليمي، إلى القبول بمبدأ التفاوض على الدستور قبل الانتقال السياسي، في تجاوز واضح للقرارات الدولية، ولكنها لا تزال تطالب بتفاوض بشكل متزامن في قضايا الحكم والدستور والانتخابات والإرهاب، وفق تحديد الأمم المتحدة.