في مهب العاصفة

17 يونيو 2015
الربيع العربي ما هو إلا بداية تغيير شامل (Getty)
+ الخط -
لم يكن الربيع العربي سوى البداية، فرياح الربيع لا بد لها أن تواصل هبوبها، ليس فقط للإطاحة بالحكومات الاستبدادية التي أثبتت فشلها عبر عقود طويلة من الزمن، ولكن أيضاً للإطاحة بالمؤسسات غير الفعالة المنتشرة في جميع أنحاء دول العالم العربي.

قبل هبوب رياح الربيع العربي، كانت الأوضاع الاقتصادية مهيأة تماماً لبدء عمليات إصلاح جذرية شاملة لمنظومة الاقتصاد العربي المهترئة، ليس أقلها افتقاد أنظمة الحوافز للفعالية، وازدياد حدة عدم عدالة توزيع الدخل القومي، والعبء الثقيل التي أصبحت تشكله القوانين القديمة على المجتمع. إضافة إلى الفجوة الآخذة في الاتساع بين النظام التعليمي واحتياجات سوق العمل، وافتقار عمليات التعيين في القطاع العام للكفاءة والنزاهة، وانتشار الفقر والبطالة وسط الشباب والمتعلمين، وتفشي الفساد بأشكاله المتعددة، ناهيك عن عقود من التدخل الحكومي في كل جانب من جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

لسنوات عديدة، كانت الحكومات العربية الاستبدادية إما ترفض تماماً مطالب الإصلاح، أو أنها لم تكن تقوم إلا بتدابير مؤقتة وغير كافية، كسباً للوقت، إلى أن أجبر تضخم أسعار المواد الغذائية الملايين من الفقراء للعيش عند أو تحت مستوى الكفاف.

بلغة الأرقام، فقد سيطر الخُمس الأول الأكثر ثراء (الذي يمثل 20% من السكان الأكثر دخلاً) في تونس على 48% من إجمالي الدخل في البلاد، في حين سيطر الخُمس الأول الأكثر فقراً (الذي يمثل 20% من السكان الأقل دخلاً) على 6% من إجمالي الدخل في عام 2009. وفي مصر، كانت هذه المعدلات 40% و9% على التوالي. في سورية، سيطر الخُمس الأول الأكثر ثراء على 44% من دخل البلاد، في حين سيطر الخُمس الأول الأكثر فقراً على %7 من إجمالي الدخل. أما في اليمن، فكانت هذه المعدلات 45% و7% على التوالي.

إذ تُعرف الأنظمة السياسية في المنطقة العربية بالنظم السلطوية الشعبوية، حيث يمكن للمرء أن يتوقع قيام هذه النظم بتوفير الحد الأدنى من معايير نوعية الحياة والخدمات الاجتماعية لمواطنيها. ما حدث في تونس، وفي كثير من بلدان المنطقة، أظهر أن هذه النظم السياسية لم تكن قادرة على توفير الحد الأدنى من الرعاية لجزء كبير من المجتمع.

أنتجت تلك التصدعات زلزالاً مدمراً في تونس، وتسببت الصدمات، التي أعقبته، بأوضاع كارثية لا يقل جحمها التدميري عن حجم الزلزال ذاته. في مصر وليبيا، تم الإطاحة بحاكميهما اللذين حكما بقبضة من حديد لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن. في اليمن، حيث كان الاقتصاد على شفا الانهيار، أجبرت الاحتجاجات زعيم البلاد على توقيع اتفاق لنقل صلاحياته إلى نائبه، مقابل الحصانة من الملاحقة القضائية. أما في سورية، فقد أصبحت الانتفاضة السورية، بعد أكثر من أربعة أعوام، ساحة للنزاع الدولي، تضم إيران وروسيا والصين، على جانب، وكل ما تبقى من المجتمع الدولي، تقريباً، على الجانب الآخر.

وبغض النظر عن طول أمد الربيع العربي، فإنه يحمل، في طياته، تحديات وفرص لتلك البلدان. بالنسبة للتحديات فهي تشمل خلق فرص العمل، وزيادة النمو الاقتصادي والحد من تقلباته، ومحاربة الفساد والمحسوبية، وضمان سيادة القانون، وإعادة هيكلة القطاع العام وزيادة كفاءته، وتشجيع مبادرات القطاع الخاص، واتخاذ تدابير للحد من تقلبات أسعار المواد الغذائية. وتشمل الفرص التي يقدمها الربيع العربي لتلك البلدان شباباً متعلماً، وموارد يمكن استغلالها على نحو أفضل.
المساهمون