في معوقات أداء الأحزاب المغربية

22 ابريل 2015
+ الخط -
يتلخص مفهوم الحزب السياسي في أنه تنظيم يضم مجموعة من الناس، ذوي الاتجاه الواحد والنظرة المتماثلة والمبادئ المشتركة، يحاولون أن يحققوا الأهداف التي يؤمنون بها، وهم يرتبطون ببعضهم بعضاً، وفقاً لقاعدة أو قواعد تنظيمية مقبولة من جانبهم، تحدد علاقتهم وأسلوبهم وغايتهم في العمل، بما يخدم المصلحة العامة التي لا تتعارض، كلياً أو جزئياً، بين النظام السياسي القائم والشعب. هذا التعريف الذي يحدد المعنى النبيل للحزب، على اعتبار أنه مؤسسة ديمقراطية، تعمل على ضمان وتحقيق الفرص لمنتسبيها كافة، فضلاً عن ضمانها وتحقيقها لعموم المجتمع الذي يبقى مبرر وجودها، والأداة التي تكسبها الشرعية والمشروعية، في آن معاً. لكن، هل هذا هو حال أحزابنا السياسية في المغرب؟ وهل ثمّة تطابق بين هذا التعريف والمشهد الحزبي المغربي؟

تتماهى الأحزاب في المغرب، وفي الدول العربية، مع الأطروحات الرسمية، بل وصل بها الحال إلى الحد الذي جعلت من نفسها تلعب أدواراً تابعة لأدوار الأنظمة خصوصاً في المنعطفات المهمة، كما أنها ظلت في عقود ما بعد الحقبة الكولونيالية عاجزة عن تقديم رؤية استراتيجية للحركة السياسية التي بموجبها يمكن تحقيق السيادة الوطنية والتنمية الشاملة، فضلاً عن غياب المبادرة لديها، واكتفائها بمباركة كل ما يصدر عن السلطة، حتى أصبحت تبدو في تماه مطلق مع كل ما يصدر عنها. وما يؤكد موضوعية ما ذهبنا إليه، بالنسبة لحالتنا في المغرب، طبعاً، مسارعة القوى السياسية إلى مباركة المبادرة الملكية التي تقضي بتوسيع صلاحيات الجهات وإعادة النظر في التقسيم الترابي للبلاد، والدفع بمسلسل دعم اللامركزية واللاتمركز، وتوسيع طفيف في صلاحياتها؛ وحينما قرر المغرب المشاركة في "عاصفة الحزم" فإن القرار خرج من القصر الملكي، ومن دون مناقشة في البرلمان والحكومة، وفي ذلك تجاوز صريح لمقتضيات دستور 2011.
في الحالة المغربية، ثمة استراتيجية مزدوجة في التعاطي مع الحراك الحزبي، فالدولة لا تكتفي بالمراقبة، بل تتعداها إلى الاختراق والتدبير والتوجيه والمشاركة في صياغة الاقتراحات  وفرض الزعامات. فجميع التجارب الانتخابية التي عرفها المغرب سجلت هذا الحضور، باستثناء الانتخابات التشريعية لسنة 2011 التي تزامنت مع ما اصطلح عليه بالربيع العربي. وبذلك، لم تبق السلطة خارج (لعبة الانتخابات)، ويتحقق لها هذا عبر استثمار قوة ونفوذ إحدى وزاراتها السيادية (وزارة الداخلية)، في اقتراح وفرض المرشحين والدعاية للأحزاب التي ترى فيها حليفاً لها، فضلاً عن التحكم في النتائج، لتقزيم تمثيلية الأحزاب غير المرغوب فيها.
ينص الدستور المغربي على مبدأ التعددية الحزبية، وعلى الرغم من "الأهداف النبيلة" لهذا المبدأ، فإنه، وعلى العكس من ذلك، جاء بنتائج عكسية، وأصبح تفريخ الأحزاب وانشقاقها من أبرز خصائص المشهد الحزبي في المغرب. لا يستند هذا التفريخ والانقسام، بالضرورة، إلى تعدد المرجعيات الأيديولوجية والفكرية واختلاف البرامج والمشاريع. بدأ هذا المسلسل، منذ السنوات الأولى للاستقلال، فمنذ انشقاق حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الاستقلال سنة 1959، وحلقات هذا المسلسل تتواصل، وبالموازاة مع تفريخ أحزاب جديدة لا تفرضها الحاجة، كولادة حزب التجمع الوطني للأحرار من رحم السلطة لضرب القوى اليسارية في ذلك الحين، وصولاً إلى إخراج السلطة، أخيراً، لحزب الأصالة والمعاصرة المفتقد، تماماً، لأي سند أيديولوجي بهدف تقزيم دور الإسلاميين، وكبح أجنحتهم، ونقصد هنا بالتحديد، حزب العدالة والتنمية.
هذه الطفرة الحزبية التي تجاوزت بكثير سقف العشرين حزباً سياسيّاً، من شأنها أن تحد من فعالية القوى السياسية في البرلمان والحكومة، علماً أن صلاحيات هاتين المؤسستين تبقى محدودة، بالنظر إلى صلاحيات الملك وبعض المؤسسات الأخرى، لأنها تبقى من الأسباب الأساسية في تشتيت أصوات الناخبين، وبالتالي، صعوبة حصول أي من الأحزاب على الأغلبية أو سهولة إبرام تحالفاتٍ، يكون بموجبها ضمان السير الأمثل لإدارة شؤون البلاد، وفق ما تمليه المصلحة العامة والوعود الحزبية.
ويفرض علينا استقراء الوعي السياسي للفعل الحزبي في المغرب تناول الموضوع بالنسبة للأطر الحزبية والناخبين، على حد سواء؛ فالمرشح الحزبي، في معظم الأحوال، يستجدي أصوات الناخبين، للظفر بمقعد في البرلمان أو في مجالس المقاطعات، وغالباً ما يفتقر هذا المرشح أو ذاك إلى الوعي السياسي والمؤهلات العلمية اللذين بفضلهما يمكنه استحقاق جدارة المنصب والمسؤولية.
إلى جانب الوعي السياسي، يتجلى السلوك الانتخابي للناخب المغربي الذي يبقى مسؤولاً أولاً عن وصول هذه النخب إلى إدارة شؤون البلاد، فهذا الناخب، وتحت وطأة الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية لا يتوانى في عرض صوته للبيع، كما أن التصويت لديه لا ينبني على معطيات علمية ورؤى تقييمية للمرجعيات والبرامج الحزبية المطروحة، بل يتبلور وفقاً للعقل الجمعي والتنشئة الاجتماعية اللذين يستندان إلى اعتبار القرابة الدموية والانتماء القبلي وتحصيل المنفعة المادية وتقديم الأهداف الشخصية عوضاً عن المصلحة العامة.

في ظل هذا الواقع الباعث على الإشفاق، وفي ظل غياب الديمقراطية الداخلية، وغياب الأحزاب وارتباطها بالفترات الانتخابية، وعزوف المواطن بشكل عام عن المشاركة السياسية ورفضه فكرة الانضواء في أي تنظيم حزبي؛ يبرز حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي الذي يقود الحكومة الحالية، والذي أظهر أداء سياسيّاً يستجيب لموازين القوى الداخلية والخارجية، وفيه قدر كبير من الحكامة والنزاهة، واعتماد الديمقراطية فكراً وممارسة، وهذا ما يشهد به خصومه قبل منتسبيه ومتعاطفيه.

avata
avata
عبد العالي الذهبي (المغرب)
عبد العالي الذهبي (المغرب)