في معنى أن تكون جزائرياً

14 سبتمبر 2015
+ الخط -
تستهويني، عادة، قيادة السيارة بهدوء خارج المناطق الحضرية المكتظة، حيث اتخذ المذياع مؤنسا طوال الطريق، منتظرا ما يجود به علي من أغان وأخبار تشغل البال في المسار.
كان الحال، هذه المرة، مع أغنية لافتة، عنوانها "أنا جزائري"، يفتخر صاحبها بالانتماء الجزائري، ويدين النعرات الجهوية والمناطقية في قالب غنائي جذاب، وكانت الكلمات المتدفقة إلى الأذن كفيلة باستحضار التفكير في موضوع حساس، يثير الجدل حالياً، ذاك المتعلق بماهية الهوية الجزائرية، وأصدائها في منظومة التربية والتعليم.
وليس خافياً على كثيرين أن الرابطة الجزائرية بين شخص وآخر هي أقرب للشعور والإحساس الفطري الذي يحقق الانسجام منها إلى التجسيد الثابت في المفاهيم الرئيسية الدائمة الخاصة بتشكيل الأمم، ولا أقصد بذلك عموميات الخطاب الرسمي الذي يحدد أساسيات الهوية الجزائرية بالنصوص الدستورية، لكنه يعجز عن توفير إجابات حاسمة وعملية، عندما تطرح الإشكالات. وبذلك، ظهرت الموسيقى والمناسبات الرياضية وسائل مهمة، للتعبير عن الجزائرية، إذ تتيح الفرصة ليبرز الجزائري أنماطه الخاصة في التعامل مع الأشياء، وفق مفردات العقلية الجزائرية المشتركة بين فرد وآخر من الدائرة نفسها، فيتميز بها عن غيره ويعرف بها على لسان الآخرين.
يمكن أن يؤدي ذلك بيسر إلى رسم حدود حيز الانتماء بطريقة أخرى، تختلف عن النهج السياسي والاجتماعي التقليدي في تفسير الأحوال الجزائرية، لكن المشكلة، في هذا الإطار، أن ذلك لا ينهي مفهوم الإقصاء، حيث يمكن لأي شخص أن يبعد من دائرة الجزائرية إذا خرج في ظرف ما، لسبب ذاتي، عما هو وارد في القاموس الاعتباري للسلوك الجزائري، على الرغم من أنه لا يعترف بالأفكار العقيمة. وقد يحصل هذا الموقف مع كثيرين من أهل الشأن والنبوغ، في مواجهة مشهد تتقاطع فيه أزمة الهوية مع الأمراض الاجتماعية والنفسية المنتشرة في كل مكان.
فأمام خطر الهوية المبنية على أساس الوعي المستسلم للانقسامات التقليدية، وفق الجهة والعشيرة، وبين تهديدات الهوية المستأنسة باللاوعي والارتباط غير المنتظم، لابد من إيجاد مسلك آخر، يجيب بشكل بناء عن التساؤل حول معنى أن تكون جزائرياً. هناك حاجة لتجاوز فكرة المحلية والجوار الجغرافي، لأنها نتيجة مباشرة للحدود التي فرضها الاستعمار، بيد أنه حتى إذا حاولنا إلغاء الحدود، من دون ضبط الهوية، فسنشجع المحلية بشكل آخر بين مناطق في بلدان متعددة، فالقضية تحتاج إلى توجه جريء من نوع خاص، علماً أن تماثل التراث وتشابه اللهجات لا تصمم بالضرورة هوية جامعة، بل بالعكس، رأينا في تجارب دول أوروبية كيف أنهم أسسوا لقوميات ودول وطنية، بعد مخاض عسير بين أطراف متصارعة عرقياً وثقافياً، فمن الأجدى أن نفكر من زاوية مختلفة. ولحسن الحظ، نستطيع الخوض جدياً في تثبيت الهوية الجزائرية، من دون الاضطرار إلى تكرار الماضي الأوروبي.
بما أننا ننتمي إلى فضاء عربي ومغاربي، ونتشارك معه الاهتمامات المعاصرة والمصير مستقبلاً، ونمتلك أداة ثقافية حية وجاهزة للتواصل والإنتاج، سيكون في المقدور إبراز المكانة الجزائرية ضمن هذا البناء، حيث تتحدد أطر الهوية، وتكتسب شكلاً فعالاً ذا معنى، قابلًا للتأقلم مع المتغيرات والتأثير عليها، وتتضح الهوامش لملئها بالخصوصيات المتعلقة بالفرد الجزائري. المقصود أن يدرك الجزائري أن هويته تتجسد في قيمة ما يقدمه لمجتمعه الذي يعتبر جزءاً أساسيا في كتلة عربية لا مركزية، تعطيه فخر الانتماء، وتمنحه الفرصة ليكون مميزاً ومبدعاً، والأفضل أن تسير ثنائية الأخذ والعطاء بأداة لا غنى عنها في العالم الحديث، المواطنة والحكم الراشد.
دلالات
المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل