في مصر... العدالة متوقفة على هوية القاتل والمقتول

04 نوفمبر 2018
أقارب الحسيني أبوضيف الذي قُتل سنة 2012 (فرانس برس)
+ الخط -
رغم أنّ الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام هو اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب لقتلة الصحافيين، فإنه في العالم العربي يمكن إحياء هذه المناسبة كل يوم تقريباً، إذ حتى الساعة لم يعاقب أي مجرم أو نظام عن قتله لصحافيّ أو إعلامي.
نستعيد هنا بعضاً من القصص التي تصلح روايتها طيلة أيام السنة عن إفلات القتلة من جرائمهم بعد قتل الصحافيين، تحديداً في مصر:

في الثامن من يوليو/ تموز عام 2013، سجلت كاميرا المصور الصحافي المصري أحمد عاصم السنوسي صورة الضابط الذي أطلق باتجاهه الرصاص ليطرحه جثة هامدة في أحداث الحرس الجمهوري التي وقعت في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/ تموز 2013.

تمكّن السنوسي من تصوير الاشتباكات التي اندلعت بين محتجين على عزل الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والقوات المكلفة بتأمين المنشأة العسكرية، وأثناء تصويره القناص الذي يستهدف المعتصمين؛ وقع ضحية له، ولم يتم تحريك دعوى جنائية لصالح القتلى في تلك الواقعة، وإنما تم تحريك دعوى بالتجمهر واستعراض القوة والتعدي على أفراد الأمن، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 تمت إحالة المدنيين للمحاكمة العسكرية، ودخل الصحافي ضمن الضحايا الذي أفلت جناتهم من العقاب، لينضم لقائمة طويلة من الصحافيين المقتولين في مصر، من دون أن يحاسَب قتلتهم إلى اليوم، لأن القاتل شرطي، أو لأن الصحافي المقتول معارض للنظام.

وأقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام يومًا عالميًا لمكافحة الإفلات من العقاب، وهي الذكرى السنوية لمقتل صحافيين فرنسيين في مالي في عام 2012، ومنذ ذلك الحين جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013، بتكليف يونسكو بوضع خطة لمناهضة هذه الظاهرة، وكذلك العمل على رفع الوعي بهذه الظاهرة، من خلال الاحتفال العالمي في المؤتمرات والندوات وغرف الأخبار.

ونشر الحساب الرسمي لهيئة الأمم المتحدة قبل أيام من اليوم العالمي لمكافحة الإفلات من العقاب، نسبة حالات قتل الصحافيين حسب المناطق (2006-2017) وتصدرت المنطقة العربية الإحصائيات بنسبة كبيرة، إذ سجلت وحدها 33.5% من حالات قتل الصحافيين على مستوى العالم، و26% في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ، و22.9% في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و11.6% في أفريقيا، و4% في أوروبا الوسطى والشرقية، و2.5% في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية.

وتقول الأمم المتحدة إن الإفلات من العقاب يؤدي إلى مزيد من جرائم القتل كما أنه دليل على تفاقم الصراع وعلى تداعي القانون والأنظمة القضائية. لذا تخشى أن يؤدي الإفلات من العقاب إلى زعزعة مجتمعات بكاملها من جرّاء إخفاء انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان والفساد والجرائم. في هذا الصدد تطالب من الحكومات والمجتمع المدني والإعلام وكل المعنيين بدعم سيادة القانون أن ينضموا إلى الجهود العالمية لإنهاء مشكلة الإفلات من العقاب.


وفي مصر وحدها، هناك أحد عشر صحافياً قُتلوا خلال 40 شهرًا، وتحديدا منذ 28 يناير/ كانون الثاني 2011، حتى 28 مارس/ آذار 2014، بعضهم محترفون، وبعضهم هواة، بحسب توثيق الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان.

وطرحت الشبكة السؤال الأهم "هل يعاقب المتهم بالقتل في مصر؟". وأجابت عنه "هذا قد يتوقف على شخصية القاتل والمقتول"، لهذا؛ قالت في تقرير سابق لها إنه "حين تفرق العدالة بين الضحايا، وحين تتحرك بجدية أو تراخٍ وفقاً لشخصية القاتل أو المتهم بالقتل، فهذا بالتحديد هو ما يطلق عليه ظاهرة الإفلات من العقاب".

وبحسب الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فإن الإفلات من العقاب ليس ظاهرة جديدة في مصر، بل قديمة، يمكن إرجاعها إلى الثمانينيات من القرن الماضي، إذ بدأت تلك الظاهرة في التصاعد والانتشار، ثم لم تتوقف أو تتراجع في مصر.

وكان أول الضحايا من بين الصحافيين في مصر، الصحافي بمؤسسة الأهرام، أحمد محمود، الذي قتل يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2011 برصاصة قناص أثناء قيامه بتصوير حشود المحتجين من شرفة بيته القريب من ميدان التحرير ومقر وزارة الداخلية.

وآخرهم الصحافية، ميادة أشرف، التي لقيت مصرعها في 28 مارس/ آذار 2014، في الاشتباكات التي دارت بين قوات الأمن وعناصر من الإخوان المسلمين، في شرق القاهرة، تحديداً في منطقة عين شمس.

أما باقي القائمة فتضم: الحسيني أبو ضيف الذي قتل في أحداث الاتحادية، في ديسمبر/ كانون الأول عام 2012 أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. وصلاح الدين حسن صلاح الدين، 38 عامًا، مراسل صحافي، قُتل في 29 يونيو/ حزيران 2013 قبل الانقلاب العسكري بقيادة المشير (وقتها) عبد الفتاح السيسي بـ4 أيام. وأحمد عاصم السنوسي، قتل في 8 يوليو/تموز 2013 في أحداث الحرس الجمهوري، وحبيبة عبد العزيز، مراسلة ومصورة "جولف نيوز" قتلت برصاصة في الرأس في مذبحة رابعة العدوية في 14 أغسطس/ آب 2013. ومايك دين، مصور قناة "سكاي نيوز" قُتل برصاصة في القلب في مذبحة رابعة العدوية. ومصعب الشامي، مراسل شبكة "رصد" قتل برصاص قناص. وأحمد عبد الجواد، صحافي بجريدة الأخبار توفي في المستشفى متأثراً بإصابته بطلق ناري. وتامر عبد الرؤوف، مراسل جريدة الأهرام، قتل إثر إطلاق النار عليه أمام محافظة البحيرة. ومحمد سمير، مخرج في قناة النيل للأخبار قُتل أثناء تغطيته لأحداث ميدان رمسيس في 18 أغسطس/ آب 2013 أمام قسم الأزبكية. ومصطفى الدوح، مراسل شبكة نبض الإخبارية، قُتل في اشتباكات الألف مسكن يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2014 ، وأخيراً.. ميادة أشرف.

لكن بعض قضايا، تم تحريكها لاتهام مدنيين وعناصر من جماعة الإخوان المسلمين فيها، وتم رفع دعوى جنائية لصالحهم، ومنها قضية الصحافي وائل ميخائيل الذي أصيب بطلقة أثناء تغطيته لأحداث ماسبيرو، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وأحمد محمود الذي قُتل برصاص الداخلية أثناء تغطيته لأحداث ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، والحسيني أبو ضيف الذي قُتل في أحداث الاتحادية في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2012، بخرطوش في الرأس، ورغم رفع دعوى جنائية توجه تهمة القتل العمد إلى عدد من المتهمين؛ إلا أنه تم الفصل بالبراءة من هذه التهمة تحديدًا، وذلك موجب القضية رقم 10790 لسنة 2013 جنايات مصر الجديدة، المقيدة برقم 936 لسنة 2013 كلي شرق القاهرة، المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي ومساعده أسعد الشيخة، وأحمد عبد العاطي مدير مكتبه، و12 آخرون.


فضلاً عن تامر عبد الرؤوف (شهيد حظر التجوال) حيث تم إطلاق النار عليه داخل سيارته من قبل قوات الجيش، في 19 أغسطس/ آب 2013، عقب اجتماعه مع محافظ البحيرة، وذلك بدعوى خرقه لقرار رئيس الوزراء (رقم 772 لسنة 2013) بشأن إعلان حظر التجول في بعض المحافظات. وميادة أشرف التي قتلت أثناء تغطيتها لأحداث اشتباكات بين قوات الأمن وبعض المشاركين في مسيرة لأنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي بمنطقة عين شمس، يوم 28 مارس/ آذار 2014، وتم فتح التحقيقات ولا تزال الدعوى سارية ضد 48 متهمًا، بتولي قيادة في جماعة إرهابية وإمدادها بالمعونات المادية والأسلحة والقتل العمد والشروع فيه، وتنظيم تجمهر بمنطقة عين شمس، وإطلاق الأعيرة النارية صوب المواطنين والإعلاميين الرافضين لتجمهرهم وقوات الشرطة، وفي آخر جلسة يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، جاء القرار بالتأجيل، بموجب القضية 355\2014 عين شمس.

أما بشأن ضحايا أحداث مذبحة رابعة العدوية، فالقائمة تشمل مايك دين، أول صحافي غربي يُقتل أثناء تغطية صحافية في مصر منذ بداية تسجيل المرصد للانتهاكات - منذ بداية أحداث ثورة يناير/ كانون الثاني 2011، وذلك إثر إصابته بطلق ناري من سلاح قناص، خلال تغطية أحداث عملية فض اعتصام رابعة العدوية يوم 14 أغسطس/ آب 2013.​

وأحمد عبد الجواد الذي توفي عقب إصابته برصاصة في منطقة البطن، أسفرت عن وفاته في اليوم ذاته. ومصعب الشامي الذي توفي إثر إصابته بطلق ناري نافذ من مسافة قريبة، أدى إلى مصرعه.
المساهمون