على مقربة من خيمة بدت داكنة اللون بفعل غبار الصحراء، جلست أمل (اسم مستعار)، البالغة من العمر 16 عامًا، على وعاء معدني صدئ، تلملم منديلًا تمسح به دموعها، وهي تروي تفاصيل زواجها من مغترب عربي ستيني، قبل عام من الآن، لم يدم سوى أربعة أشهر، تصفها اللاجئة في مخيم الزعتري بأنها "مسلسل اغتصاب بطيب الخاطر".
رغم الألم والقسوة التي عانتها اللاجئة، القادمة من مدينة حمص السورية عام 2013، طيلة هذه الأشهر برفقة هذا "الذئب البشري"، تقول أمل، إلا أنها كانت "إجازة" من جحيم العيش في مخيم اللاجئين السوريين، واغتنام ساعات قليلة من النوم الهادئ لأمها وشقيقتها التي تصغرها بسبع سنوات، داخل خيمة النزوح، بعد قضاء ليال من القلق والخوف، نتيجة تعرضهن الدائم لمضايقات ممن وصفتها بـ"عصابات الجنس"، في المخيم.
لم يكن ليتم هذا الزواج "القسري"، ويحظى بموافقة الأم الأربعينية، إلا بعد أن تملكها الخوف على ابنتها، خصوصًا بعد تعرضها لعملية تحرش بشعة من قبل عدد من شبان "عصابات الجنس"، حين حاصروها داخل حمام مختلط داخل المخيم؛ فلم تجد سوى الصرخات ونداءات التوسل، التي لامست أسماع عمال صيانة، لحسن الحظ كانوا على مقربة من الحمام، ليخلصوها من اغتصاب محقق.
هذه الحادثة، توضح أمل في حديثها لـ"جيل"، كانت بمثابة الاستجابة للضغوط، التي تعرضت لها أمها من قبل من بات يطلق عليهم داخل مخيم اللاجئين السوريين في عمق الصحراء الأردنية، "سماسرة الزواج العرفي"، الذين عرضوا على الأم تزويج ابنتها القاصر "عرفًا"، من ستيني من جنسية عربية، ومقابل بعض مئات من الدولارات، على أن يثبت هذا الأخير الزواج بعقد رسمي بعد أربعة أشهر، الأمر الذي رفضته بشدة سابقًا، لترضخ أخيرًا للعرض "المغري"، مقارنة بواقع أقل ما يوصف بأنه "حياة سبي"، بحسب تعبيرها.
"سماسرة" الزواج، نجحوا أيضًا في إيقاع ذوي الطفلة مريم (اسم مستعار)، بشباك مصيدتهم، حين أقدم والدها المسن، اللاجئ من مدينة درعا السورية، على تزويجها من رجل خمسيني، ومن جنسية عربية أيضًا، مقابل مبلغ 800 دولار.
يبرر والد الطفلة في حديثه لـ"جيل"، موافقته على زواجها "العرفي"، الذي لم يدم سوى شهر واحد، بعد أن أقنعه "السمسار" بترحيلها وإياهم من المخيم، و"سترها"، ومن ثم التكفل بالإنفاق عليها، واستئجار شقة ملائمة في العاصمة عمان.
لم يتحقق أي شيء من الوعود، يقول والد مريم، والدولارات الـ800 ذهبت لجيوب الدائنين، ومريم (13 عامًا) عادت مرة أخرى للمخيم، لكن ليس وحدها هذه المرة، ففي أحشائها جنين، زرعه "المجرم" الغدار، يصف الوالد، بعد أن "تسلى بها أسابيع، فنزع منها طفولتها، وأورثها بؤسًا، يلازمها كظلها".
أمل ومريم، لم ولن تكونا الوحيدتين من الفتيات السوريات في الأردن اللواتي كن ضحايا الزواج المبكر جدًا، وهي الظاهرة التي عادت لواجهة الأحداث أخيرا بقوة. مخيمات اللجوء تزخر بعشرات، إن لم تكن مئات المآسي للعائلات السورية، الهاربة من جحيم القتل والدمار داخل بلادها، بعد إقدامها على تزويج بناتها مقابل مبالغ زهيدة من المال، ما يعتبر، وفق حقوقيين، تشريعًا ممنهجًا للاغتصاب.
يبدو للكثيرين أن الأوضاع الاقتصادية المتردية، ونقص المساعدات عن الكثير من العوائل السورية، في مخيمات اللجوء، دفعتها إلى تزويج بناتها في سن الطفولة، وسط حالة من عدم الرضا على الأغلب، إلا أن هذا لا يعد سوى أسباب جانبية غير مؤثرة، وفق الناشط الاجتماعي داخل مخيم الزعتري محمد الحوراني.
يوضح الحوراني، في حديثه لـ"جيل"، أن عشرات قصص التحرش، التي تعرضت لها فتيات المخيمات من قبل "عصابات الجنس"، فضلًا عن حالات اغتصاب بحق قاصرات، تم توثيق بعضها، الكثير منها بقيت سرًا، لتسلم عائلة الضحية من تمزيق شرفها داخل مجتمع المخيم، وهو الشيء الوحيد الذي تملكه، كان أساس القضية.
فزواج "السترة" من اللاجئات السوريات، وتحديدًا القاصرات، كما يسمى، أو المتاجرة بأجسادهن تحت ستار الدين، والزواج بهن بمهور زهيدة، جاء خوفًا من هتك أعراضهن من قبل هذه العصابات، التي أصبحت منتشرة داخل جسم المخيمات، كداء السرطان، بحسب رئيس جمعية الكتاب والسنة الأردنية زايد حماد.
حماد يؤكد لـ"جيل"، وهو الناشط أيضًا في مجال إغاثة اللاجئين السوريين، أن العائلات في المخيمات، انتفضت أكثر من مرة في وجه السلطات الرسمية، والمنظمات العاملة هناك، احتجاجًا على ظروف حياتهم الصعبة، والإذلال اليومي الذي يواجهونه من قبل هذه العصابات، وهي "خليط من داخل وخارج المخيمات، تعمل على إثارة المشكلات، وترتكب أبشع الجرائم بحق الأطفال السوريين".
من جانبها، اتهمت ليندا كلش، رئيسة مركز "تمكين" الحقوقي في الأردن، النظام القضائي الأردني بزيادة حالات زواج القاصرات السوريات "رسميًا"، فرغم "أن سن الزواج القانوني في الأردن حدد بثمانية عشر عامًا، إلا أن النظام القضائي يحوي ثغرة تتيح الزواج المبكر، فالمحاكم الشرعية التي تعنى بأمور الزواج والطلاق والإرث، توافق على زواج فتاة تخطت الخامسة عشرة من عمرها".
بطبيعة الحال، تقول كلش، تسوغ السلطات الرسمية للكثير من "السماسرة"، مواصلة إيقاع أكبر عدد من ذوي اللاجئات في مصيدة "الزواج" المبكر، متذرعين بإمكانية تثبيت العقد رسميًا، حتى وإن لم تبلغ الفتاة سن الزواج القانوني.
وفقًا لإحصاءات صادرة عن دائرة قاضي القضاة الأردنية، سجل العام 2016 زواج أكثر من ألف فتاة سورية قاصر، مقابل 42 زواجًا فقط مع بداية الأزمة عام 2011، في وقت كشفت إحصائيات صادرة عن الدائرة زواج 4400 فتاة سورية قاصر، تراوح أعمارهن بين 15 إلى 18 عاماً، منذ بداية اللجوء السوري للأردن عام 2011.
إلا أن مصدرًا مسؤولًا في منظمة اليونيسيف العالمية للطفولة نفى لـ"جيل"، وجود إحصائيات حقيقية ودقيقة حول أعداد القاصرات المتزوجات من اللاجئات السوريات، فيما تواجه المنظمة مشكلة في إثبات حالات الزواج للاجئات القاصرات، كونها تتم غالبًا بالخفاء، وفق تعبير المتحدث.
وزارة الداخلية الأردنية تنبهت أخيرًا لذلك، وحذرت من أن أي عقد للزواج خارج المحاكم الشرعية، سيعتبر غير نافذ قانونًا، بسبب ما تتعرض له فتيات سوريات من عروض زواج ملحة من أردنيين وعرب من جنسيات مختلفة.
فيما أطلقت المنظمة تحذيرات عدة من مسألة تزويج القاصرات السوريات في الأردن، وقالت المنظمة بلسان العديد من مسؤوليها، إنها تشعر بالقلق بشأن الزواج المبكر، الذي "يستخدم كآلية للتأقلم مع الأوضاع". ويبلغ عدد الفتيات السوريات المسجلات في سجلات مفوضية اللاجئين العاملة في الأردن، واللواتي يعتبرن في دائرة الخطر، ما نسبته 26.3% من عدد اللاجئين، وفق المصدر نفسه.