في مئوية نيلسون مانديلا... أبرز محطات نضاله وأقواله ضدّ العنصرية

18 يوليو 2018
ماديبا المناضل في سبيل الحرية وحقوق الإنسان(تويتر)
+ الخط -
يحتفل العالم اليوم بمئوية نيلسون مانديلا، رمز محاربة الفصل العنصري، الذي تمكن بعد 64 عاماً من النضال، قضى منها 27 عاماً في السجن، من تحقيق شروط عيش أفضل للسكان الأصليين في جنوب أفريقيا. وحددت الأمم المتحدة يوم 18 يوليو/تموز من كل عام يوماً عالمياً لمناهضة التمييز العنصري عام 2009 احتفالاً بحياة مانديلا وتراثه النضالي الملهم للشعوب.

حارب ماديبا، وهو اسم مانديلا القبلي الذي يُعرف به، باسم شعبه نظاماً قمعياً جائراً يقوم على الفصل العنصري، وأسوأ ممارسات الحرمان من أبسط الحقوق ضد سكان جنوب أفريقيا الأصليين.

وأعلنت مؤسسة مانديلا أن من أهداف الذكرى تشجيع كل فرد في العالم على قضاء 67 دقيقة في فعل شيء للآخرين، تماماً كما أمضى مانديلا 67 عاماً من حياته في النضال من أجل عالم أفضل. وخصصت المؤسسة احتفالية هذا العالم للعمل في مجال مكافحة الفقر، تكريماً لقيادة مانديلا وجهوده لمكافحة الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية. فماذا نعرف عن محطات حياة مانديلا القائد وأقواله عن الحرية وحقوق الإنسان؟

 

مانديلا ... رمز المناهضين للفصل العنصري

استمرت محاكمة مانديلا من 15 أكتوبر/تشرين الأول حتى يوم النطق بالحكم في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1962. وحكم بالسجن 5 سنوات، ثلاث منها بتهمة التحريض، وسنتان بتهمة مغادرة البلاد دون وثائق سفر صالحة، واحتجز في جزيرة روبن. فردّت الحشود يومها بكسر حظر التظاهر، وساروا في الشوارع وهم يرددون أغنية تدعو بالحرية لمانديلا Tshotsholoza Mandela، وتطالبه بمواصلة الكفاح، وهي الأغنية الشائعة جداً في ثقافة جنوب أفريقيا، وتعتبر النشيد الوطني الثاني للبلاد.


دافع مانديلا عن نفسه أمام المحكمة في بريتوريا (50 كلم شمال جوهانسبورغ) عام 1962، وقال في بيانه أمام هيئتها: "لا أعتبر نفسي ملزماً أخلاقياً ولا قانوناً بطاعة قوانين سنها برلمان لا يمثلني".

ومن أشهر المقاطع المتداولة من ذلك البيان قول مانديلا: "إنني أكره ممارسة التمييز العنصري، وتؤيدني في كراهيتي تلك الغالبية الساحقة من البشرية التي تمقته أيضاً. إنني أكره التنشئة المنهجية للأطفال على التحيز ضد الملونين وتؤيدني في كراهيتي تلك الغالبية الساحقة من البشرية هنا وفي الخارج. وأكره الغطرسة العنصرية التي تفرض حق استئثار أقلية السكان بالأشياء الجيدة في الحياة، وتحشر أغلبية السكان في وضع من التبعية والدونية، وتجعل منهم عبيداً لا صوت لهم يعملون ويتصرفون حسبما تأمر به الأقلية الحاكمة. وتؤيدني في تلك الكراهية الغالبية العظمى من البشر في هذا البلد وفي الخارج".

مانديلا... أنا مستعد للموت

لكن في 11 يونيو/حزيران عام 1964 أي بعد مرور عامين على سجنه، أعيدت محاكمة مانديلا من جديد، وحكم عليه وعلى سبعة من رفاقه بالسجن المؤبد، بعد أن وُجّهت إليهم تهمة الخيانة والتآمر لقلب نظام الحكم بالعنف. واعتبر مانديلا مذنباً بأربع تهم بالتخريب، وبقي 27 عاماً سجيناً.

جلسات عدة عقدت ضمن المحاكمة الثانية في بريتوريا، وفي إحداها يوم 20 أبريل/نيسان 1964، خطب مانديلا في دفاعه تحت عنوان "أنا مستعد للموت"، معترفاً بأنه أسس مع رفاقه تنظيم "رمح الأمة" (أومخونتو)عام 1961، هو الجناح المسلح للمعارضة المتمثلة بالمؤتمر الوطني الأفريقي عقب مجزرة شاربفيل التي وقعت في مقاطعة ترانسفال يوم 21 مارس 1960. يومها أطلقت الشرطة الرصاص الحيّ على حشد من المتظاهرين السلميين المسلحين بالحجارة فقط اعتراضاً على "قانون الاجتياز"، والذين تزايد عددهم تباعاً حتى وصل إلى نحو 20 ألف متظاهر. وبلغت حصيلة القتلى 69 شخصاً بينهم 10 أطفال، إضافة إلى 180 مصاباً بينهم 29 طفلاً، وتعرض كثيرون لإصابات من الخلف لإطلاق النار عليهم أثناء هروبهم.

بعد المجزرة أعلنت حالة الطوارئ، واعتبر المؤتمر الوطني الأفريقي العريق الذي تأسس عام 1912، تنظيماً محظوراً. وعن ذلك قال مانديلا: "قررت أنا وزملائي، بعد دراسة متأنية، أننا لن نطيع هذا المرسوم (...)لأن قبولنا للحظر يعني قبولنا بإسكات صوت الأفريقيين نهائياً". وذكّر بالاستفتاء الذي أجرته الحكومة عام 1960 الذي أدى إلى إنشاء الجمهورية، واستثني الأفارقة السود من التصويت رغم أنهم يشكلون نحو 70 في المائة من سكان جنوب أفريقيا.

ويشار إلى أن قانون الاجتياز هو قانون عنصري أوجده الاستعمار البريطاني في جنوب أفريقيا في القرن التاسع عشر، يهدف إلى تقييد حركة السكان الأصليين الأفارقة ضمن مناطقهم القبلية ومنعهم من دخول مناطق البيض. وكان عليهم حمل رخص الاجتياز في كل الأوقات للعبور ليلاً حتى إلى المناطق المسموح لهم باجتيازها.

سمّت منظمة "يونيسكو" لاحقاً هذا اليوم باليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، كما تحتفل به جنوب أفريقيا رسمياً تخليداً لحقوق الإنسان ولضحايا مذبحة شاربفيل.

مانديلا... ورمح الأمة

وأكد مانديلا يوم المحاكمة أنه "بعد لجوء حكومة الفصل العنصري إلى استعراض للقوة لسحق المعارضة، قررنا الرد على العنف بالعنف، واستخدام القوة من أجل الدفاع عن أنفسنا"، مؤكداً أن "الحكومة لم تترك لنا خياراً آخر، ومنعت عنّا جميع قنوات الاحتجاج السلمي". وأضاف "نحن الذين شكلنا أومخونتو (رمح الأمة) جميعنا أعضاء في المؤتمر الوطني الأفريقي، ووراءنا تقليد في اللاعنف، والتفاوض وسيلتنا لحل النزاعات السياسية. لم نكن نريد حرباً بين الأعراق، وحاولت تجنبها حتى اللحظة الأخيرة". وقال أيضاً: " ثلاثون عاماً من عمري أنفقتها دون جدوى، بصبر وتواضع واعتدال أمام أبواب مغلقة، وأكبر عدد من القوانين المقيدة لحقوقنا وتقدمنا، حتى وصلنا إلى مرحلة لم يعد لدينا أي حقوق على الإطلاق".

ولخص قراره بالنضال المسلح بالقول: "يحين وقت قيامة الأمة عندما لا يبقى أمامها سوى خيارين، القتال أو الخضوع. لذلك أخذنا في يونيو 1961 الخيار الأول".


مانديلا زعيم أفريقي

تقرر حضور مانديلا مؤتمر حركة الحرية في عموم أفريقيا، في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في ينايرعام 1962، وقيامه بجولة في الدول الأفريقية لتأمين التدريب لجنود "رمح الأمة"، وطلب منح دراسية للتعليم العالي للأفارقة في بلاده. ولقيت جولته تعاطفاً وترحيباً كبيرين في كل الدول التي زارها وهي تونس والجزائر والسودان وتنزانيا ومالي والسنغال وليبيريا وأوغندا، كذلك زار العاصمة البريطانية لندن. وبعد ذلك باشر بدراسة فن الحرب والثورة مستلهماً تجارب حرب العصابات المختلفة.

ومع دخول المؤتمر الوطني الأفريقي مرحلة جديدة من الصراع مع السلطة، كان مانديلا يعوّل  في جولته أيضاً على زيادة موارد التنظيم المالية.

وسبق لحكومة جنوب أفريقيا أن اتهمت مانديلا بأنه شيوعي، الأمر الذي نفاه في مرافعته أمام المحكمة، وشرح نقاط التقاء المؤتمر الوطني الأفريقي مع الفكر الشيوعي ونقاط الاختلاف على المدى السياسي طويل الامد. وقال: "نحن نقاتل في الأساس ضد اثنتين من السمات المميزة للحياة الأفريقية في جنوب أفريقيا، الفقر ونقص الكرامة الإنسانية، ولا نحتاج إلى شيوعيين أو ما يسمى بـ "المحرضين" لتعليمنا عن هذه الأمور".

وبعد ذلك اعتقل مانديلا في 5 أغسطس 1962 في ناتال إحدى أصغر مقاطعات جنوب أفريقيا. وقبل ذلك عاش متخفياً عن أنظار الحكومة منذ أبريل 1961 لأنه كان مطلوباً من السلطات ويعتبر خارجاً عن القانون لانتمائه إلى تنظيم محظور.

 



مانديلا ... خطاب الحرية

بعد 27 عاماً من السجن، خاطب نيلسون مانديلا الناس بعد نيل حريته يوم 11 فبراير 1990 من مدينة كيب تاون قائلاً: "إن مسيرتنا نحو الحرية لا رجعة فيها. علينا ألا نسمح للخوف بأن يثنينا عنها. فالسبيل الوحيد إلى السلام والوئام بين الأعراق هو الاقتراع العام على دور مشترك للناخبين في دولة موحدة ديمقراطية وغير عنصرية في جنوب أفريقيا".

ثم توجه للعالم من مقر الأمم المتحدة في نيويورك يوم 22 يونيو 1990، في جلسة انعقاد لجنة مناهضة التمييز العنصري قائلاً: "إن جريمة الفصل العنصري ستظل آفة لا تمحى في تاريخ البشرية. وسيبقى سؤال الأجيال القادمة مطروحاً، كيف نشأ هذا النظام في أعقاب اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ وسيظل اتهاماً أبدياً، وتحدياً لجميع الرجال والنساء من ذوي الضمائر إلى أن نهُبّ جميعاً ونصيح كفى''.

يشار إلى أن الأمم المتحدة تبنت يوم 17 ديسمبر عام 2015 الصيغة المنقحة المقترحة للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء وسمّتها "قواعد نيسلون مانديلا"، تكريماً لإرث رئيس جنوب أفريقيا الراحل، وهو الذي قال: "يقال إن المرء لا يعرف أمة ما من الأمم إلا إذا دخل سجونها".



مانديلا رئيساً يعلن المصالحة


انتخب مانديلا رئيساً لجنوب أفريقيا في 27 أبريل 1994 لمدة رئاسية واحدة استمرت ست سنوات وانتهت عام 1999. واعتمد هذا اليوم يوماً وطنياً في جنوب أفريقيا وسمّي يوم الحرية. ألقى في هذا اليوم خطبته الشهيرة بعنوان "حر أخيراً" التي اقتبسها من خطاب للزعيم الأميركي من أصول أفريقية مارتن لوثر كينغ .كانت الرئاسة تتويجاً لنضالات شعب جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري "الأبارتيد" الذي بدأ يتفكك، وسابقة في تاريخ البلاد، كونه أول شخص من الأفارقة السود يشغل هذا المنصب، وكان أكبر كل الرؤساء سناً عند توليه الحكم بعمر 75 عاماً. وأقسم اليمين في بريتوريا يوم 10 مايو 1994 أمام جمع غفير من قادة العالم. وترك نيلسون مانديلا الحكم بعمر يناهز 81 عاماً.

قال مانديلا عن المصالحة يوم 25 يناير 1995 "أن المصالحة وبناء الدولة يعنيان، في جملة أمور أخرى، أن نسعى إلى معرفة حقيقة الماضي الرهيب، وأن نضمن عدم تكراره. ولهذا يجب ألا تكون مصالحتنا مجرد فترة استراحة قبل أن تستحكم من جديد مرارة الماضي".

تسلم مانديلا بلداً يعد 40 مليون نسمة، نحو 23 مليوناً منهم يفتقرون إلى الكهرباء أو الصرف الصحي الملائم، 12 مليوناً يفتقرون إلى إمدادات المياه النظيفة، و2 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، فيما ثلث السكان أميون. ومع نهاية فترة حكمه كانت نسبة الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة "الأيدز" نحو 10 في المائة بين السكان. ومعدلات الجريمة الأعلى في العالم.

لكن الإرث المنهك الذي حمله مانديلا في قيادة البلد، لم يمنع إدارته من إجراء تحسينات في الرعاية الطبية والتعليم ورعاية الشيخوخة وإعادة الأراضي لأصحابها.

مانديلا... نوبل وجوائز أخرى

تلقى أكثر من 250 جائزة، منها جائزة نوبل للسلام 1993 وميدالية الرئاسة الأميركية للحرية ووسام لينين من النظام السوفييتي، وجائزة سخاروف لحرية الفكر. وتمتع مانديلا بالاحترام العميق في العالم، كان يشار إليه باسمه في عشيرته ماديبا أو تاتا، وكان يوصف بأنه "أبو الأمة". ومُنح مانديلا المواطنة الكندية الفخرية، وجائزة أتاتورك للسلام التي رفضها عام 1992 وعاد وقبلها عام 1999. ونال وسام الاستحقاق من الملكة إليزابث الثانية، وجائزة بهارات رانتا من الهند، وغيرها الكثير.