في عيد تحريرها الـ27: الكويت استفادت من الدرس

25 فبراير 2018
عادت الكويت لتلعب دور الوسيط إقليميا ودولياً (Getty)
+ الخط -

تحتفل الكويت  يوم 26 فبراير/شباط من كل عام بعيد تحريرها من الغزو العراقي للبلاد والذي قاده الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1990، وهو أمر أدى إلى تغير جذري في الحياة السياسية الكويتية الداخلية، إذ شهد صعوداً لقوى سياسية إسلامية ووطنية وهبوطاً شديداً للقوى اليسارية والقومية، كما شهد أيضاً تغيراً في السياسة الخارجية إذ انكفأت الكويت على نفسها في البداية قبل أن تعود للمشهد العربي من جديد بسياسة أكثر ليونة مع الجيران.

وعلى الصعيد الداخلي خلّفت الحرب الكويتية مع العراق مآسي كبيرة في الكويت، إذ دمر صدام حسين الآبار النفطية وأمر بإحراقها مما تسبب بكارثة بيئية ضخمة، بالإضافة إلى أكثر من ألف قتيل ومئات الأسرى الذين اكتشفت رفاتهم في مقابر جماعية داخل العراق فيما بعد، وشكل مجلس الأمة المنتخب لجنة تقصٍ للحقائق بعد تحرير الكويت على الفور، للبحث في أسباب الفشل السياسي الكويتي الذي أدى للغزو العراقي، وأدانت اللجنة عدداً من المسؤولين وعزلتهم من وظائفهم.

كما أدى الغزو العراقي إلى فشل التيارات القومية واليسارية في الاستمرار وصعود التيارات الإسلامية والنواب المستقلين وصعود النفس الإسلامي في الحياة العامة، بالإضافة إلى تشكل تيارات سياسية شعبوية جديدة مثل التكتل الشعبي بقيادة زعيم المعارضة مسلم البراك، والذي قاد لاحقاً حركة الإصلاح في الشارع الكويتي.

وعلى الصعيد الخارجي، اتبعت الكويت بعد التحرير سياسة العزلة الخارجية التي تمثلت في قطع العلاقات مع الدول التي ساندت صدام حسين وعلى رأسها الأردن واليمن، كما قامت بوقف دعمها لمنظمة التحرير الفلسطينية نتيجة لموقفها المؤيد للغزو، وسحبت يدها من الاهتمام بالملفات السياسية العربية والإقليمية لأول مرة منذ تأسيس البلاد.

لكن سقوط النظام العراقي عام 2003 وإعلان إيران برنامجها النووي في المنطقة، بالإضافة إلى الأزمات التي افتعلتها السلطات السعودية بشكل متكرر مع الدول الخليجية بشأن الحدود مع الإمارات عام 2009 وحصار قطر العام الماضي، أدى إلى عودة الكويت إلى المشهد السياسي من جديد وفك العزلة الاختيارية عن نفسها، إذ قامت بإعادة العلاقات الكاملة مع العراق، كما أنها خففت من حلفها مع السعودية الذي اضطرت إليه عقب الغزو العراقي، وتبنت سياسة أكثر انفتاحاً تجاه إيران، رغم وجود بعض التوترات.

كما قامت الكويت أيضاً بالتعاون مع قوى عالمية أخرى، بديلة عن القوة الأميركية التي بات موقفها في المنطقة من وجهة نظر القيادة السياسية ضبابياً عقب الاتفاق النووي الأميركي مع إيران، ثم انتخاب دونالد ترامب بسياساته الخارجية المتهورة كرئيس للبلاد.

ووقعت الكويت اتفاقية مع حلف الناتو تقضي بعبور قواته عبر الأراضي الكويتية، كما وقعت اتفاقية مع الجيش التركي، وطلبت من بريطانيا إيجاد قوات عسكرية دائمة لها في الكويت لأول مرة منذ الاستقلال بحسب تصريح السفير البريطاني في الكويت، مايكل دينفبورت.



وقال الأكاديمي والباحث السياسي عبدالرحمن المطيري لـ"العربي الجديد": مثّل الغزو العراقي للكويت ضربة قاصمة للسياسة الكويتية الخارجية، حيث أحس الكويتيون للمرة الأولى بفشلهم الدبلوماسي بعد دخول صدام للبلاد، رغم أنهم استطاعوا في النهاية حشد العالم ضده في النهاية، وهذا الفشل انعكس على القيادة السياسية  التي قررت اعتزال العالم العربي لفترة من الزمن، لكن الأخطار الخارجية وسياسة الانكفاء أثبتت فشلها، لتعود الكويت مرة أخرى بلداً للوساطات الدبلوماسية في حرب اليمن وحصار قطر والثورة السورية، بالإضافة إلى إعادة إعمار العراق وتسليم الرسائل الخليجية إلى إيران.

ووقعت الكويت عشرات الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع العراق، بالإضافة إلى استضافتها الأخيرة لمؤتمر إعادة الإعمار بعد الحرب على "داعش"، وهي خطوة مكنتها من تحسين العلاقات مع العراق وإعطاء مجال له اقتصادي وسياسي له كونه يعد دولة كبرى، ورغم التوترات السياسية التي تحاول الأحزاب العراقية توليدها في الجنوب للحصول على مكاسب سياسية فإن تعامل الكويت مع بغداد لا يزال متمتعاً باللباقة الدبلوماسية كي لا يُعاد تشكيل مشهد عام 1990 بحسب ما يقول محللون سياسيون.

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت سعود المطيري لـ"العربي الجديد": "في كل احتفالية لتحرير الكويت من الغزو العراقي، نشدد على أن الكويت كحالة سياسية فريدة وجدت بين ثلاث دول كبرى يجب عليها أن توازن في علاقاتها أولاً وأن تعطي جيرانها وخصوصاً العراق جزءاً من التنازلات، وهو ما حدث في ميناء مبارك الكبير الذي يقع على الحدود العراقية الكويتية البحرية حيث توقفت الكويت عن بناء رصيفين داخل الميناء كي لا تتأثر المياه الإقليمية العراقية، رغم أنه يحق لها البناء دون الرجوع لأي أحد وفق القانون الدولي".

وأضاف: "كان الغزو درساً سياسياً قاسياً للكويت، والحمد لله أننا تعلمنا منه وانعكس ذلك على تصرفاتنا في السياسة الخارجية، والتي صار يضرب بها المثل".