في حضرة كارل ماركس.. مؤسس الشيوعية في قلعة الرأسمالية

10 نوفمبر 2015
رمز الشيوعية تحول لمادة للكسب في إطار العجلة الرأسمالية
+ الخط -


في الطريق إلى ذاك الضريح الذي أُخبرت عنه، كثيرة هي الأفكار التي تراود المرء. ما هو الشعور الأول الذي قد يخالجك وأنت تقف هناك أمام بقايا رجل رافقك مراحل عديدة من عمرك. اقتربت منه فترات وابتعدت فترات. لكنك كنت دائماً تنظر إليه بانبهار.

وافقته وأعجبت به أم عارضته، إلا أنك لا يمكن أن تنكر أنه كان له أثر في شكل العالم الذي نعيشه، إن لم يكن في ما هو قائم اليوم، فعبر التكوينات السابقة التي أوصلتنا إلى ما نحن إليه.

هذه الأفكار وغيرها تمر في الذهن وأنت تنتقل من محطة قطار إلى أخرى، لتستقل بعدها حافلة تقودك إلى "هاي غايت سيمتري" HIGH GATE CEMETRY أو بالترجمة الحرفية "مقبرة البوابة المرتفعة"، حيث يرقد منظّر الشيوعية في شكلها الأول، كارل ماركس

تستغرب قليلاً كيف لهذا الرجل الذي قام منادياً بتفكيك "رأس المال" ينام قرير العين في إحدى أهم عواصم الرأسمالية في العالم، لندن. السيرة الذاتية لماركس توضح هذه النقطة، إذ كانت لندن منفاه في عام 1849، أي بعد عام من إصداره "بيان الحزب الشيوعي" مع رفيقه فريدريك إنغلز. إحدى الغرف الصغيرة الواقعة في شارع "سوهو"، في وسط العاصمة البريطانية، تشهد أيضاً على المرحلة التي عاشها الفيلسوف الألماني في بلاد الإنجليز.

تترجل من الحافلة حيث يخبرك هاتفك المحمول أن المقبرة ليست إلا على بعد عشر دقائق سيراً على الأقدام. طريق منحدر قاس، ربما أخذت المنطقة اسمها منه "البوابة المرتفعة"، يوصلك في النهاية إلى المقبرة. عند البوابة تستقبلك سيدة بابتسامة من اعتاد على استقبال الضيوف. كيف لا، وقد تحولت المقبرة إلى مزار سياحي يدر أرباحاً على المنطقة وبلديتها.

الدخول ليس مجانيّاً، فهناك رسم معلوم عليك أن تدفعه لتلج إلى داخل المساحة التي رصفت بشكل أنيق لاستقبال الزوار، وطبع لأجلهم كتيب يشرح أسماء الشخصيات المدفونة هناك. لكن السيدة تدرك أن الزائرين غير مهتمين إلا بشخص واحد يرقد في الداخل، فتسألك بتلقائية "هل تريد رؤية أضرحة هذه الشخصيات أم أنت مهتم فقط بكارل ماركس؟". بالتأكيد الإجابة ليست غريبة على أذنيها، فربما سمعتها آلاف المرات. تبتسم وتفتح لك الخريطة التي تقودك إلى الضريح المقصود، وتطلب منك بلطف أن تتجول أيضاً في باقي المقبرة، فهناك أضرحة أخرى قد تعجبك، وتناولك لائحة طويلة بأسماء الشخصيات الموجودة في المكان مع إشارات على الخريطة لمكان وجود كل منها.

تقرأ الأسماء سريعاً علك تعرف أحداً آخر قد يثير اهتمامك، لكنك لا تعرف أحداً منهم. لكن ما يلفت النظر في الخريطة هو وجود اسمين لماركس عليها وفي مكانين مختلفين. وأيضاً بخبرة من اعتاد على هذه اللحظات، تسارع الموظفة إلى الشرح بأن هناك معلمين خاصين بماركس يمكن زيارتهما في المقبرة، الأول هو المدفن الأساسي الذي سجي فيه جثمانه عندما توفي في 14 مارس/آذار عام 1883 عن عمر ناهز الـ 64 عاماً. هذا المدفن كان في مرحلة ما هو المتوفر بسعر زهيد، قبل أن يقوم لاحقاً الحزب الشيوعي البريطاني بنقل الجثمان إلى الموقع الذي هو فيه حالياً، والذي تحول إلى مزار سياحي تحصّل منه الحكومة البريطانية، ذات النزعة الرأسمالية، مداخيل لا بأس بها.

الاحتفاء بماركس وضريحه واضح من الاعتناء به، ووضعه قريباً من مدخل المقبرة. هناك يستقبلك تمثال كبير لرأس الرجل مع الشعار الأساسي له "يا عمال العالم اتحدوا"، والذي تم على أساسه بناء منظومة الفكر الشيوعي لاحقاً. إضافة إلى هذا، نحت القائمون على الضريح عبارة "الفلاسفة يفسرون العالم، ولا يغيرونه".

الوقوف لا يمتد طويلاً أمام الضريح، الذي يضم أيضاً زوجة ماركس وخادمه. التأمل في المقبرة والضريح، وكيف تم تحويلهما إلى فرصة للكسب، واستغلال اسم وجثمان الفيلسوف الألماني من قبل البلدية، يزداد عند الخروج من المقبرة، وإدراك أن استغلال الاسم أيضاً قائم من أهل المنطقة نفسها، الذين يدركون أهمية وجود الضريح. ليتم فتح حانات باسم كارل ماركس، مع نشر عدد من مقولاته على الطاولات والجدران، في إطار جذب مزيد من السياح. تغادر المكان ولا تغادرك مفارقة كيفية تحول رمز الشيوعية إلى مادة للكسب في إطار العجلة الرأسمالية.


اقرأ أيضاً: حي الأحباس في كازبلانكا برائحة الكتب والعتاقة
المساهمون