06 نوفمبر 2024
في جوهر أحزاب الوسط الإسرائيلية
أعطت نتائج آخر استطلاعات الرأي العام في إسرائيل، والتي توقعت أن يحوز الحزب المُناوب الجديد في خانة الوسط، بزعامة قائد هيئة أركان الجيش السابق، الجنرال بيني غانتس، على نحو 15 مقعدًا في الانتخابات العامة القريبة للكنيست المقبل، يوم 9 نيسان/ إبريل 2019، أعطت إشارة البدء للعودة إلى تحليل ظاهرة أحزاب الوسط. وفي غمرة ذلك أشير بشكل عام إلى ما يلي:
أولًا، تميز هذه الظاهرة الحياة الحزبية الإسرائيلية منذ إنشاء دولة الاحتلال في 1948، ولا سيما منذ تأسيس حزب داش (الحركة الديمقراطية للتغيير) عام 1977، ونجاحه المفاجئ في الانتخابات التي جرت في ذلك العام، بحصوله على 15 مقعدًا، وتشكيله أول ائتلاف حكوميّ برئاسة حزب الليكود، أطاح ورثة مباي (حزب عمال أرض إسرائيل).
ثانيًا، إن تكرّرها في كل معركة انتخابات إسرائيلية عامة تقريبًا يُثبت أنها ظاهرة باقية.
ثالثًا، تعكس هذه الظاهرة عدم استعداد الناخب الإسرائيلي عمومًا للتعلّم من تجربة طويلة متراكمة لأداء هذه الأحزاب، بُعيد دخولها إلى المشهد السياسيّ - الحزبيّ.
بيد أن الأهم من ذلك يتمثل بالإشارة إلى أن هذا الوسط يمتنع عن إشهار رأي حاسم بشأن أي موضوع، ويُبقي جميع الخيارات مفتوحةً على مصاريعها، وتتلخص رؤيته في التالي: "كلنا معًا ضد اليمين المجنون واليسار الهاذي"، وأقصى غايته "الوصول إلى مؤسسات السلطة وتغيير الوضع".
كذلك لا بُدّ من التنويه إلى أنه، في نهاية كل التجارب السابقة، تفقد أحزاب الوسط بريقها، لأنه يتضح أنها غير قادرة على تحقيق الآمال التي علقها عليها ناخبوها. كما أن هذه الأحزاب ليست مُهيّأة للتركيز على موضوع مُعيّن، تدعمه في حملتها الانتخابية، لسببٍ بسيط هو أنها ليست مجموعات ضغط، بل أحزاب يتعيّن عليها اتخاذ قراراتٍ حيال أي موضوع مطروح في جدول الأعمال العام.
وليس مبالغةً القول إن معظم أحزاب الوسط الإسرائيلية لا موقف لها نابعاً منها، وقلّما تتحدث عن مبادئ أو إيديولوجيا. وهي في الأغلب تُحدّد مواقفها عن طريق الرفض، فمثلًا هي ليست مع اليمين، لذا تعارض ضم أراض فلسطينية محتلة، لكنها توافق على البناء في الكتل الاستيطانية.
ولدى نشوب خلافٍ على خلفية "مشروع قانون القومية الإسرائيلي"، قال هذا الوسط إنه مع مشروع القانون هذا، لكنه ضد التمييز، وهو ضد مشروع القانون فقط لأنه غير ضروري، وتوقيته سيئ، ومن شأنه أن يُشوّه صورة إسرائيل في العالم. وخلاصة الأمر، في نظر هذا الوسط، أن التمييز القائم حاليًا جيّد، وليس في حاجة إلى أي زيادة أو نقصان.
لا شكّ في أن حزب كاديما كان أكثر أحزاب الوسط الإسرائيلية إثارةً إلى الآن، نظرًا لنجاحه في تولّي سدّة الحكم. وما يجوز استخلاصه بشأنه راهنًا أنه حاول أن يقدّم بديلًا إلى جمهورٍ يهودي مؤيّد لـ"اليسار الصهيوني"، كفّ عن الإيمان بإمكان إحراز اتفاق سلام مع الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى، حاول أن يقدّم جوابًا إلى جمهورٍ يهودي أكبر مؤيّد لليمين، توقّف عن الإيمان باحتمال تحقيق برنامج "أرض إسرائيل الكبرى". وكان ما وحّد الجمهورين الرغبة في تغيير "الوضع القائم" لمصلحة دولة الاحتلال.
واقترح "كاديما" بدايـةً الاستراتيجيا الأحادية الجانب التي جسّدتها "خطة الانفصال" عن قطاع غزة عام 2005، بادعاء أنها الصيغة المُثلى لتغيير الوضع. وبات من الجليّ أنّ مؤسسه أرييل شارون قصد، عندما أنشأ الحزب، أن يعرض على الجمهور الإسرائيليّ العريض "طريقًا ثالثًا"، وعمـل بِهَـْدي مبدأين: رفض "الواقع القائم"، ورفض الاتّفاق الدائم. وتمثّل البديل العمليّ لشارون في عمليّة سياسيّة طويلة المدى تمنح إسرائيل حدًّا أقصى من الأمن، وحدًّا أدنى من الاحتلال. وحتى عندما تخلّى إيهود أولمرت، خليفة شارون في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، عن الاستراتيجيا الأحادية الجانب، وانخرط في "عملية أنابوليس" (2007)، لم تنطوِ ممارساته الميدانيّة على إشاراتٍ قويّةٍ، تدلّ على سعيه إلى تحقيق اتّفاق دائم، ولم تتجاوز غاية إدارة الصـراع والتسوية.
ثانيًا، إن تكرّرها في كل معركة انتخابات إسرائيلية عامة تقريبًا يُثبت أنها ظاهرة باقية.
ثالثًا، تعكس هذه الظاهرة عدم استعداد الناخب الإسرائيلي عمومًا للتعلّم من تجربة طويلة متراكمة لأداء هذه الأحزاب، بُعيد دخولها إلى المشهد السياسيّ - الحزبيّ.
بيد أن الأهم من ذلك يتمثل بالإشارة إلى أن هذا الوسط يمتنع عن إشهار رأي حاسم بشأن أي موضوع، ويُبقي جميع الخيارات مفتوحةً على مصاريعها، وتتلخص رؤيته في التالي: "كلنا معًا ضد اليمين المجنون واليسار الهاذي"، وأقصى غايته "الوصول إلى مؤسسات السلطة وتغيير الوضع".
كذلك لا بُدّ من التنويه إلى أنه، في نهاية كل التجارب السابقة، تفقد أحزاب الوسط بريقها، لأنه يتضح أنها غير قادرة على تحقيق الآمال التي علقها عليها ناخبوها. كما أن هذه الأحزاب ليست مُهيّأة للتركيز على موضوع مُعيّن، تدعمه في حملتها الانتخابية، لسببٍ بسيط هو أنها ليست مجموعات ضغط، بل أحزاب يتعيّن عليها اتخاذ قراراتٍ حيال أي موضوع مطروح في جدول الأعمال العام.
وليس مبالغةً القول إن معظم أحزاب الوسط الإسرائيلية لا موقف لها نابعاً منها، وقلّما تتحدث عن مبادئ أو إيديولوجيا. وهي في الأغلب تُحدّد مواقفها عن طريق الرفض، فمثلًا هي ليست مع اليمين، لذا تعارض ضم أراض فلسطينية محتلة، لكنها توافق على البناء في الكتل الاستيطانية.
ولدى نشوب خلافٍ على خلفية "مشروع قانون القومية الإسرائيلي"، قال هذا الوسط إنه مع مشروع القانون هذا، لكنه ضد التمييز، وهو ضد مشروع القانون فقط لأنه غير ضروري، وتوقيته سيئ، ومن شأنه أن يُشوّه صورة إسرائيل في العالم. وخلاصة الأمر، في نظر هذا الوسط، أن التمييز القائم حاليًا جيّد، وليس في حاجة إلى أي زيادة أو نقصان.
لا شكّ في أن حزب كاديما كان أكثر أحزاب الوسط الإسرائيلية إثارةً إلى الآن، نظرًا لنجاحه في تولّي سدّة الحكم. وما يجوز استخلاصه بشأنه راهنًا أنه حاول أن يقدّم بديلًا إلى جمهورٍ يهودي مؤيّد لـ"اليسار الصهيوني"، كفّ عن الإيمان بإمكان إحراز اتفاق سلام مع الفلسطينيين من جهة، ومن جهة أخرى، حاول أن يقدّم جوابًا إلى جمهورٍ يهودي أكبر مؤيّد لليمين، توقّف عن الإيمان باحتمال تحقيق برنامج "أرض إسرائيل الكبرى". وكان ما وحّد الجمهورين الرغبة في تغيير "الوضع القائم" لمصلحة دولة الاحتلال.
واقترح "كاديما" بدايـةً الاستراتيجيا الأحادية الجانب التي جسّدتها "خطة الانفصال" عن قطاع غزة عام 2005، بادعاء أنها الصيغة المُثلى لتغيير الوضع. وبات من الجليّ أنّ مؤسسه أرييل شارون قصد، عندما أنشأ الحزب، أن يعرض على الجمهور الإسرائيليّ العريض "طريقًا ثالثًا"، وعمـل بِهَـْدي مبدأين: رفض "الواقع القائم"، ورفض الاتّفاق الدائم. وتمثّل البديل العمليّ لشارون في عمليّة سياسيّة طويلة المدى تمنح إسرائيل حدًّا أقصى من الأمن، وحدًّا أدنى من الاحتلال. وحتى عندما تخلّى إيهود أولمرت، خليفة شارون في زعامة الحزب ورئاسة الحكومة، عن الاستراتيجيا الأحادية الجانب، وانخرط في "عملية أنابوليس" (2007)، لم تنطوِ ممارساته الميدانيّة على إشاراتٍ قويّةٍ، تدلّ على سعيه إلى تحقيق اتّفاق دائم، ولم تتجاوز غاية إدارة الصـراع والتسوية.