في تمثيلات الاستبداد السياسي

22 مارس 2015
+ الخط -
"الحمد لله الذي ما شاء صنع، من شاء أعطى، ومن شاء منع، ومن شاء خفض، ومن شاء رفع..." (يزيد بن معاوية لمّا ولّيَ الخلافة). مقولة تختزن كل أسباب قيام الحكم الاستبدادي، بالتماهي مع المعتقدات الدينية، لأجل التحكّم في رقاب الناس، وتبرير الأفعال والتصرفات التي يمكن أن تصدر عن المؤسسة الحاكمة، من دون الخوف من التبعات، واللجوء إلى محاكمة أفعال السلطة الجائرة والمستبدة والسالبة للحريات والملكية الفردية. الحكم الاستبدادي لا يعترف بالمحاسبة على الأفعال والأقوال الصادرة عنه، بل يعتبر نفسه في حلٍ من كل ما يمكن أن يؤدي به إلى الدخول في مماحكات ونقاشات حول أحقيته في فرض الرأي الواحد على المعارضين له. بل لا يعترف إلا بما يراه هو صواباً، وهو أسلوب فرعوني بامتياز. "ما أريكم إلا ما أرى".
ولعلّنا لا نغالي إذا قلنا إن لاستغلال الدين دوراً كبيراً في ترسيخ مظاهر الاستبداد السياسي، تارة بدعوى ربوبية الحاكم (فراعنة مصر/ أباطرة اليابان والصين...). وتارة  بدعوى الحق الإلهي (ملوك أوروبا في القرنين 17 و18)، وتارة أخرى بدعوى البيعة وطاعة ولاة الأمور(حالة أمراء وسلاطين الدولة الإسلامية). وليس قولنا هذا افتئاتاً على الأديان، بقدر ما هي حقيقة متمثلة للعيان عبر التاريخ البشري الحافل بمظاهر الاستبداد والانفراد بالحكم وتركيز السلطات في يد الحاكم الواحد، وكان أصدق انطباق لهذا الأمر المقولة المشهورة حول ملك فرنسا لويس الرابع عشر (1661-1715) "الدولة هي لويس". 

وعندما نقول إن الدين يشجع على الاستبداد، فليس القصد بالضرورة أن الدين يأمر بالاستبداد، بل إن الحكام المستبدين يتخذون بعض نصوص الدين مطيّة لهم لممارسة الاستبداد. فرسالة الأديان، وخصوصاً السماوية، تحرير العباد من الظلم (ظلم الحكام والكهنة والتجار وقادة الجيوش). ساهمت قابلية النصوص الدينية للتأويل بشكل كبير في إضفاء الشرعية على الحكام، وبالتالي على كل تصرفاتهم، ولو كانت ظالمة للشعوب، أو بالأحرى للرعايا. 

وبما أن الفكرة الدينية لم يعد لها البريق نفسه الذي كانت تتسم به في الماضي، فإن الاستبداد لم يعدم المبررات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وحتى العرقية، ليرسخ لنفسه مكانة في الممارسة السياسية العالمية. فكرة الثورة البروليتارية، ثورة العمال، ما هي إلا غطاء لممارسة الاستبداد تحت يافطة الطبقة العاملة. والديمقراطية نفسها، بالرغم من أنها أقرب الممارسات السياسية التي تتسم بنوع من العدالة وحرية اختيار الطبقة الحاكمة في بلد من البلدان، إلا أنها لا تعدو أن تكون نوعاً من استبداد الأنتلجنسيا السياسية والاقتصادية. كما نشهد زيادة في الاهتمام بحقوق الأقليات الثقافية والاقتصادية، وهو نوع من الاستبداد الثقافي والعرقي وخرق لمبدأ الديمقراطية المتمثل في مبدأ الحكم بأغلبية الأصوات. إن مبدأ "الكوتا" مثلاً، الذي يمنح النساء أو الشباب مقاعد في البرلمانات، وفي الهيئات الحكومية، لا يعدو أن يكون نوعاً من الممارسة الاستبدادية لفئة جنسية، أو عمرية، على فئة أو فئات أخرى. 
ولعلنا لا نحيد عن الصواب إذا قلنا إن الاستبداد كامن في كل واحد منّا. كلٌ يمارسه بطريقته الخاصة. فالأب يمارسه على أسرته، والأم على أبنائها، والمدرّس على تلاميذه، والمدير على موظفيه، واللواء على جنوده، وصاحب الشركة على عماله. أبعدَ هذا نلوم الحكام المستبدين؟ نعم، ونلوم أنفسنا معهم، غير أننا لا يمكن، أبداً، أن نسوّغ لهم أحقيتهم المزعومة في الاستبداد، كما لا يمكن أن نسوّغ لأنفسنا ما لا نسوّغه لهم.

                                             

03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)